بقلم... جواهر الحارثي

في أواخر ستينات القرن العشرين توصل ألبرت مهرابيان أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا في إحدى دراساته إلى القاعدة الإحصائية الشهيرة “السبعة والثمانية والثلاثون والخمسة وخمسون “في أثر الرسالة بين المرسل والمستقبل والتي تتمحور حول هيمنة الاتصال الغير لفظي على قوة الرسالة بما يعادل 93% من التواصل و7% فقط في الكلمة؛ ثم قسم الاتصال الغير لفظي والمقدر بـ 93% إلى 38% في نبرة الصوت، 55% في لغة الجسد(الصورة) حسب درجة تأثيره في نجاح الاتصال الفعال وفق دراسته، إلا أن ذلك التقسيم لا يعني إمكانية تمرد أحد عناصر الاتصال على الآخر فغياب أي منهما يعني نقض الأداء أيًا كان مقداره؛ 

تلك الدراسة وكثير من الدراسات الأخرى التي عكف أصحابها أعوام عديدة للوصول إلى أصالة في هذا العلم كانت قائمة في حنايا عالم واقعي، وعملية الحوار بين الطرف والطرف الآخر تخضع حينها لتنظيم مباشر يغذي هذه الدراسات ويدعمها إلى حد ما؛ 

ومع الثورة التقنية المعاصرة أصبح من الممكن أن تتم عملية الحوار بشكل متكامل بواسطة العالم الافتراضي، من خلال المحادثات الصوتية أو المرئية والتي لا تتحكم فيها الصورة بشكل رئيسي وإن ظهرت، إلا أنها تكون محدودة النطاق غالبًا ويتضح ذلك جليًا في قاعات التدريب أو التعليم الإلكتروني خاصة، التي لا تُمكن المدرب أو المعلم من استثمار مهارة الصورة أثناء الأداء، فتزيد مسؤوليته أمام تحقيق الاتصال الفعال بينه وبين الأطراف المقابلة، وتتجه آنذاك قوة تأثير الرسالة المعدة لا محالة لعنصري الكلمة ونبرة الصوت.

وهما العنصرين الأكثر أهمية لنجاح الحوار الإلكتروني من وجهة نظري، ويتطلبا مهارات عالية جدًا لإتقانها، قد لا يلتفت إليها كثير من الناس، فالكلمة هي الوسيلة الأساسية لنقل المعلومة والتي تخلق انطباع إيجابي أو سلبي عن كفاءة المرسل، أما عن نبرة الصوت فهي المترجم اللغوي للكلمة المراد توصيلها، وتتفرد بأهمية حصرية لها تظهر في تقنيات غير محسوسة يدركها المستقبل وتسيطر على قناعاته ومدى تفاعله مع المرسل مثل تنوع طبقات الصوت، ومستوى التردد بين الكلمات، والوقفات أو فترات الصمت المقصودة أيضًا بين الكلمات لتمكين المستقبل من الاستيعاب الكامل بلا مشتتات، ناهيك أن نبرة الصوت تحظى ببرامج هندسة صوتية متخصصة لإيصال الرسالة كما ينبغي.  

كانت ولا تزال مهارات الاتصال الغير لفظي ذات أثر كبير في قوة الرسالة ولكن ما نحتاج إلى تأكيده في ضوء العالم الافتراضي “أي من عناصر الاتصال أكثر تأثيرًا في نجاح الحوارات الالكترونية خاصة؟”.

مسك الختام: 

البحوث والدراسات الأصيلة لا تعني بالضرورة ملاءمتها المطلقة لأي زمان ومكان لاسيما مع حدوث المتغيرات الحياتية، كذلك لا ينبغي أن تتجمد في قوالب ثابتة فالعلوم تبني بعضها البعض وفق متطلبات المرحلة، فهل يعيد الحوار الإلكتروني بناء مهارات الاتصال الفعال في العالم الافتراضي؟