بقلم.. د/نجوى محمد الصاوي
أثناء دراستي في زمالة الأطفال كنت في السنة الأولى وكان عندي مناوبة بحيثأن أي مريض في الطوارئ يحتاج للتنويم يستدعونا فنقوم بعمل إجراءات التنويم وقد استدعوني لفحص طفل صغير اسمه عمر لم يتجاوز العامين يعاني من تجمع سوائل في جسمه خاصة تحت العين وفي البطن.
كان عمر يحتاج التنويم وأن يبقى في المستشفى لبضعة أيام لأجراءات التشخيص والعلاج
كانت الساعة الواحدة منتصف الليل كنت جدا متعبة
ولاحظت والد الطفل الذي يصرخ ويزمجر بابنه وفي والدته بدون سبب وكان أسلوبه فظا معهم ومعي ومع جميع أفراد الطاقم الطبي
يريد كل شي بسرعة مثل التشخيص والعلاج بعد التنويم
بعد أن طلبنا بعض التحاليل واطماننت على حالة الطفل
ذهبت لغرفتي لأرتاح قليلا قبل أن يناديني الطوارلحالة أخرى
وما إن دخلت الغرفة إلا والتمريض يتصل ويقول إن والده يصرخ في الجميع لأنه لايوجد ممرضة تجلس مع المريض
ويريد نتائج التحاليل وأن يأتي الاستشاري الآن
وكنا عادة إذا كانت الحالة غير حرجة ننتظر الاستشاري الصباح؛ للمرور ومناقشة الحالة لفائدة المريض ولتعليم المتدربين ببرنامج الزمالة
ذهبت لوالد الطفل أخذ يصرخ والأم صامتة ومنحرجة من أسلوبه
يطلب أن يأتي الاستشاري ويشرح له مرة أخرى عن الحالة والإجراءات المتخذة مع أنني أوضحت له كل شي بأن ابنه يعاني من مرض من المتلازمة الكلوية التي يخرج فيها البروتين من الكلى مما يؤدي إلى تجمع السوائل بالجسم نتيجة لذلك وليس لها سبب معين واضح
معظم المرضى تتحسن حالتهم وجزء يصل مرحلة غسيل الكلى في هذه العمر الصغيرة
ومع ذلك أصرَّ على مقابلة الاستشاري الذي حضر للمستشفى ليشرح لوالد الطفل إلى أن هدأ قليلا
وفي الصبح أثناء المرور نفس الأسئلة
بعد انتهاء مناوبتي استلم زميلي خالد المريض لأن عمر لبث في المستشفى أسبوعا
وكل من استلمه كان يشكي من والد الطفل وأسلوبه مع الطفل وزوجته
ووالدته أم رائعة و هادئة ودائما تردد أن زوجها طيب ولا يقصد إيذاء أحد فقط قلق على ابنه
خرج الطفل من المستشفى وقد كانت حالته مستقرة ولكن يحتاج غسيل كلى لأن النوع الذي أصابه قوي يؤدي لفشل الكلى وأخذ يتابع مع استشاري الكلى في العيادة لتنسيق الغسيل الكلوي ومواعيد الأدوية وتحضير الطفل لزراعة كلية من متبرع إذا وصل الوزن المثالي المطلوب
بعدها انشغلنا بحالات كثيرة وقد انتقلت إلى عناية المواليد و كان عمر وأمه في ذهني دائما وخاصة قلقه عليهم من هذا الأب العصبي الفظ
وأدعو الله أن يشفي عمر
دخلت السنة الثانية في الدراسة التي تتكون من أربع سنوات دراسية وعملية لتكملة دراسة زمالة طب الأطفال وقد رأيت عمر مع والده كم مرة بالصدفة يحضر لغسيل الكلى وكنت أعرفه من صياح والده في ممرات المستشفى لأن عمر تغير في الشكل سمن قليلا وبعد ذلك لم أصادفه
بعد سنوات أكرمني الله وأنهيت دراستي وكنت أكمل أوراقي للانتقال إلى مدينة أخرى لأكمل بقية دراستي
أثناء رحلتي جلست بجانبي امرأة وطفلها الجميل يبدو في السادسة من عمره ويبدو سعيدا وأمه تداعبه يلهو بلعبة جيم بوي ما إن رأتني حتى سلمت علي بحرارة، اعتقدت أنها من أمهات المرضى ولأني لم أعرفها لأنها تغطي وجهها ضحكت وقالت لو كان زوجي رحمه الله أبو عمر معنا لعرفتينا من صوته
الحقيقة صدمتني وبنفس الوقت حزنت لوفاة أبو عمر وسعدت بأن عمر كبر وفي صحة جيدة
وتابعت أم عمر وقالت لي وقد لمعت الدموع في عينيها لا يوجد مثل حب وإخلاص ووفاء الأب لابنه
مهما كان طبعه وأسلوبه أخبرتني أن أبا عمر أصرَّ أن يتبرع لابنه بعد التطابق في التحاليل ونجحت عملية عمر وأصبح طفل سليم بعد فترة مثل كل الأطفال ولكن أبو عمر بعد التبرع كان بصحة جيدة لمدة ٦ أشهر وكان سعيدا جدا وفرح أن ابنه أصبح لا يغسل الكلى إلى أن أصيب فجأة بجلطة بالقلب وتوفى رحمه الله
لا يوجد مثل قلب الوالدين
وإن اختلف الأسلوب والتعامل يبقى هدفهم سعادة ومستقبل أبناءهم
قصة واقعية مع تغيير الأسماء.
+ أضف تعليق