بقلم.. محمد الرياني

فتحتُ عيني لأرى العالم، لم يكن حولي أحد سوى سرير خشبي وعصافير قليلة تغني للصباح، اتسعت عيني بعد ذلك لترى أكثر، سمعي أخذ في الاتساع ليسمع ويدرك أكثر، بعض الأشياء بدأتُ أفهمها، الهدوء أحيانا، الصخب أحيانا، عندما قادتني رجلاي لأتحرك عرفتُ أن السماء من فوقنا تمتد أكثر، وأن الحقول تخضر كلما تعمقتُ في السير والمسير، أسأل نفسي وأنا أستأنس الوحدة على الروابي وفي منأى عن الناس! ما حدُّ الأمان الذي يحيط بي؟ وما حدُّ الأرض التي تظلها هذه السماء التي أمرح تحتها؟ ما حدُّ الأرض التي تأسرني خضرتها؟ لم أكتف بهذا! أخذوني صغيرًا إلى البحر، شهقتُ من الزرقة تحتها الزرقة، هربتُ من بين أيديهم نحو الماء، وضعتُ نصف جسدي الصغير وبدأت ألعب كما كنتُ على الرمل، رأيتُ الصغار يتمددون على الماء ويحركون أرجلهم، فعلتُ مثلهم، تمنيتُ هذا البحر لي، طلبتُ من الذين رافقوني أن يكون هذا الماء الأزرق الفتان لي، قالوا لي هو لك، لم أصدق! صرختُ فيهم أن أعيدوني ليزيل الماء المالح عني ملح عرقي، ردوا عليََّ بأنك ستعود مرارا لتلهو على البحر، ستمرُّ طيور النوارس من على رأسك ومن كل جوانبك، شهقتُ والطيور تغادر مع المغيب وأني سأراها مع الإشراق، تركنا البحر، أشرقت الشمس علينا يوما ونحن تحت ظل جبل، رأيتُ الخضرة عليه في موسم الربيع، سألتهم، هل هذا الجبل لنا؟ ردوا بأن كل هذه الجبال التي ترى لنا، تمنيتُ أن أطير، أن أمشي وأحلق على رؤوسها، وأن أحتضن السحاب، جلسنا في الظل والسماء فوقنا تمطر، فرحنا على أرض الوطن وأنا لا أكاد أحصي الجمال الذي رأيته في الوطن، مرت الأيام، رأيت ازدياد العمران والمباني والطرقات ودخان المصانع، طفتُ حول كل المساحات، رأيتُ أنني في حلم وهو في الحق واقع، في الشرق شاهدت الشروق أجمل وفي الغرب كان الغروب أجمل، ألفيت الوطن عندنا حكاية بألف حكاية وحكاية، هو البحر والسهل والجبل والسماء والنجوم وكل الفصول والجهات، هو الحق والإنصاف والقوة والفخامة، هو الأمن والأمان، هو القصة التي كلما قرأناها أعدنا قراءتها من جديد ورددناها نشيدا.