بقلم.. عبد الرزاق سليمان

يتحدث الكثير ويعملون على صناعة الحضارة، وترميم حياتهم إلى حياة حضارية يشعرون بقدسيتها وجمالها ورونقها، لتكتمل لديهم زهرة الحياة، وعطرها وعبيرها.

وفي طريق موازٍ يبحث آخرون عن الفكر وتطويره وسلامته، ويعيشون دون اكتراث بحياتهم اليومية وسلوكياتهم وأهدافهم، فيكبر الفرق والبون بين ما ينطقون به، وما يعيشونه من لحظات.

بين هؤلاء وأولئك تفشل كثيرًا من جوانب الحياة، فيغرق جمالها في أوحال كثيرة، ويذوب بين لهيب وحرارة آهات متفرقة، فلا الفكر صُنع بطريقة مهذبة وعلى أيدٍ تجيد الحرافة وتعشق الحذاقة، ولا الحياة استقامت وتعدلت ونشأت بلون وبريق يجذبان الناظر لها.

الحضارة هدف يجمع العالم على البحث عنه وتحقيق ما يمكن منه، والوصول إلى أكبر قدر من التجمل به، فهو زهرة الحياة وجمالها، ومقياس جدير من مقاييس السعادة والراحة والعيش في طمأنينة ورخاء.

والفكر هو محرك الإنسان والباعث لصناعة أهدافه وتحقيق ما يمكن منها، به ترسم الأفكار، وتصنع الحضارات، ويتقدم الإنسان، ويعمل على ترقية حياته وقراءة مستقبله والاستفادة من ماضيه.

الحضارة الفكرية يجب أن تكون المرحلة الأولى قبل الاهتمام بالفكر، وقبل صناعة الحضارة، فمن حاول صناعة حضارة بلا فكر كثر سقطه، وتنوعت هفواته، ولو ظن بنفسه نجاحًا فسيرى يومًا ما سقوطًا لتخطيطه ولما رسمه من حضارة.

وكثيرًا من التنمويات سريعة الذوبان صُنعت بمحاولة لإيجاد حضارة خلت من وجود فكر يقيس الأبعاد الثلاثة ويرسم الطريق في وسط الظلام بنور فكره وبريق عقله.

فلا غنى للحضارة عن الفكر، ليكتمل جسد الإبداع وجسم التنمية، ولضمان القيام بعمل حضاري مستقبلي يصلح للأجيال جيلًا بعد جيل، ويمكن الاستفادة منه من جميع ذويه وأهله.

صناعة الحضارة الفكرية تسبق صناعة الفكر، والبحث عن حضارة، وحين تُصنع الحضارة الفكرية بعمق، ينتج عنها جيلًا مفكرًا مبدعًا في جميع جوانب الحضارة والإبداع والتنمية وصناعة المستقبل بما يتلائم مع البيئة والحياة.