بقلم / مشاعل آل عايش

كان مما ربى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن عرف لكل ذي فضله، وحفظ لكل سابق للخير سبقه، وجعل صلى الله عليه وسلم كل ذلك شافع للفرد عند تقصيره وخطأه ما لم يصل الأمر لكفر بواح، أو منكر مشاع.

فكان الصحابة رضي الله عنهم مضرب مثل في حبهم لبعضهم، وتلمس العذر فيما بينهم، قوم صفت مشاربهم، فصفت بعد ذلك أحكامهم وظنونهم.

فقد تربوا في مدرسة الوحي التي سمعوا معلمها صلى الله عليه وسلم يقول:”من رد عن عرض أخيه في الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة”، فالمسلم لا يسلم أخاه المسلم للألسن تلوكه، وتنهش عرضه، وتذروا فضله، وهو يعلم فضله، وجهده وجهاده للخير، وأن تقصيره غير المتعمد لا يؤخذ جريمة عليه، ولا يمحو لبنات المجد التي بناها للأمة فارتقى عليها الكثير، وشهد له بها الكثير.

ولا يزال هذا التلاحم والتآزر على الخير والمعروف دأب الصالحين بعد النبوة قال الخطيب البغدادي رحمه الله:

(كان مسلم يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه).”تاريخ بغداد” (103/13).

يقول الشيخ السعدي رحمه الله فيما ينبغي من الإعذار لأهل العلم إذا أخطأوا :(ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد، إشاعة عثراتهم، والقدح فيهم وفي غلطاتهم، وأقبح من هذا إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك.

وربما يكون – وهو الواقع كثيرًا – أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ، ولهم اجتهاد هم فيه معذورون، والقادح فيهم غير معذور .

وبهذا وأشباهه يظهر لك الفرق بين أهل العلم الناصحين والمنتسبين للعلم من أهل البغي والحسد والمعتدين، فإن أهل العلم الحقيقي قصدهم التعاون على البر والتّقوى؛ والسّعي في إعانة بعضهم بعضا في كل ما عاد إلى هذا الأمر، وستر عورات المسلمين، وعدم إشاعة غلطاتهم، والحرص على تنبيههم بكل ما يمكن من الوسائل النّافعة، والذب عن أعراض أهل العلم والدين، ولا ريب أن هذا من أفضل القربات.

ثم لو فرض أن ما أخطأوا فيه أو عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر لم يكن من الحق والإنصاف أن تهدر المحاسن وتمحى حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير، كما هو دأب أهل البغي والعدوان، فإن هذا ضرره كبير، وفساده مستطير.

أي عالم لم يخطئ، وأي حكيم لم يعثر؟ ). الرياض الناضرة (٩٠).

والدكتورة ملاك الجهني _ حفظها الله _ تسنمت ذروة المجد، واعتلت سماء الفهم والعلم _ نحسبها والله حسيبها_ مناضلة بقلمها، مدافعة بكل وطنية صادقة عن دينها، ناشرة للفكر السليم، محذرة من الانحراف الفكري وأشده النسوي، مرشدة ومعلمة وموجهة لكل مستشرد/ة، حتى شهد الكثير بفضلها بعد الله عليهم.

وليست الدكتورة ملاك ملك منزه من الخطأ، ولا معصومة من التقصير، فهي بشر مجتهد، فجزاها الله خير الجزاء على اجتهادها وجهودها، وغفر لها ولنا جميعا التقصير.

والواجب على المسلم أن لا يستقل أبدا قول الحق، ونصرة أهله، والدفاع عنهم، فإنه بذلك لا يدافع عن ذوات الأشخاص، ولكنه يدافع عن بلاغ هذا الدين الذي شرفوا بحمله وتبليغه، كما أن معرفة فضل أهل الفضل يجب أن تذاع لتلجم أهل الباطل، فلا يكون تقصير أهل الفضل غير المتعمد في مقارنة مع شبهات أهل الزيغ، فإن القياس هنا تطفيف.

‏قال الغزالي: “مهما رأيت إنسانا يسيء الظن بالناس طالبا للعيوب فاعلم أنه خبيث الباطن، وأن ذلك خبثه يترشح منه، وإنما رأى غيره من حيث هو، فإن المؤمن يطلب المعاذير، والمُنافق يطلب العيوب، والمؤمن سليم الصدر في حقّ كافّة الخلق ..”

فإن دور الدكتورة ملاك في الساحة كبير وعظيم أسوة بغيرها من الفضلاء والفضليات، والمنصف لا يغفل فضل أهل الفضل، كما أن حب الحق يعلو في النفوس فوق كل حب.

وما سلم جناب الربوبية _ جل الله في علاه_ عن تطاول الخلق، ولا سلم جناب ومقام النبوة_ عليهم الصلاة والسلام _ ، ولا سلم جناب أهل الفضل والعلم والمصلحين على مر التاريخ، فالصبر مطية العبد في دنياه، والسعي لنفع الأمة والمجتمع مصلحة تعلو فوق كل مصلحة، وطاعة ولاة الأمر، و الانضواء تحت رايتهم واجب شرعي ووطني لا يسع أحدا الخروج عليه.

وليس من مصلحة الفرد والجماعة أن تذاع مواطن التقصير للأفراد الخيرين، وتهمش مواطن العظمة والتقدير لهم، فالانصاف مطلب، وتلمس العذر لأهل الخير مكسب، ولهم بذلك علينا الحق، ويبقى حسابهم على الله، فجزاهم الله خير الجزاء.