محمد الرياني

منذ أن رأيتُ الهواء يلعب برؤوس ريحانتنا في الركن الجنوبي الغربي من دارنا وأنا أحبه، كنت صغير الساقين تسحبني قدماي سحباً نحو الريحانة كي أتنفس الهواء الجنوبي، قلت لها أين تسكن ريحانتنا؟ أين نسكن نحن؟ ومن أين يأتي هواؤنا؟ ضحكتْ بمساحة الوطن ثم أعادتني إلى حيث تسكن الريحانة وينطلق شذاها ويتضوع ليملأ الدار، جلسنا سويا نحفر بأقدامنا في تراب الدار وحول تراب الريحانة، وكلما تعمقنا بأرضنا شممنا ترابًا غير التراب، ترابا بنكهة الوطن، قالت لي والأمن يلفنا، افرح كما هذه الخضراء التي تتألق مع النسائم الجنوبية، لاتنظر إلى وهن ساقيك، أطلقهما للريح، زر كل الأركان في الدار الفسيحة، شعرتُ بالاطمئنان، ارتفعَ لديّ معدل الشعور حتى كدت أن أتسلق الجدران طربا وهي تقول: حتى تحب الوطن لابد أن تتنفس بعمق، وأن تدفن قدميك في التراب حتى تعرف قيمة الوطن قيمة أن يكون لديك وطن تتنفس هواءه وريحانة تهز كل تفاصيلها لتجد مثلك يتنفس ويتفاعل ويقطف من أطرافها ويقفز هنا وهناك، تركتْني وذهبتْ لشأنها، كبرتُ وكبر الوطن، أصبحتْ مساحةُ الوطن رياحين وليس ريحانة، أضحتْ المساحات تحفة من تحف الزمان وأسطورة لاتشبهها أسطورة، تعدد الرواة، فلم تعد هي التي تحكي قصة الريحانة وقصة الوطن، قال الرواة إننا أمام معجزة كبيرة تحدث على خريطة العالم، كان الوطن ريحانة صغيرة وأضحى حدائق ينظر إليها العالم بكل فخر، نحن تقطف منها وغيرنا يقف وهو في غاية الانبهار من وطن اسمه المملكة العربية السعودية.