بقلم/أمنة جلي

 

هل للقليل أهمية؟  وهل يمكن أن نجد فيه ما يغنينا عن الكثير ؟
وأيهما أفضل الكثير أم القليل ؟

جاء في بيت شعر ذكر انه لابي نصر الميكالي يقول فيه :

قليل منك يكفيني ولكن
قليلك لا يقال له قليلا

الشاعر هنا نجده قد اكتفى بأقل القليل وأولى القيمة لما يحمله من معاني ومشاعر كثيرة ماقد يكفيه ليتزود به طيلة الدهر ٠٠
نحن البشر دائما ماتعجبنا الكثرة ونرى فيها نوع من القوة والسلطة ولا نكاد نكترث لذاك القليل ولوعلمنا ما تحمله القلة من قيمة ومعنى وإدراك لاكتفينا حقا ٠٠ ذكر القليل كان محمودا حتى بين المحبين و بالرغم من أن المحب عادة ما يتمنى ويطلب الكثير والكثير من محبوبه لكننا نجد المتنبي قد قنع من أول لقاء ونظرة فكانت الدواء الذي فعل به الشيء الكثير

يقول :

وقنعت باللقيا و أول نظرة
إن القليل من الحبيب كثير

فلو كان كل شيء كثير ومتاح لدى المحبين لما نظمت تلك القصائد والأشعار التي تحكي لوعة المحب وشوقه للمحبوب وكيف هي نار الحب وسعيرها وحال المحبين في قربهم ووصالهم او بعدهم وجفاءهم ولو أتيحت ليلى لقيس متى شاء لما سمي ( مجنون ليلى ) ٠٠

جمال القليل يكمن في ما يحمله من معان ودلالات ذات قيمة إذ يتجلى فيه معنى الرضا والقناعة و دائما ما يكون القليل شيئا ثمينا أو نادرا و كثيرا ما نجد فيه الديمومة والبقاء فيقال: ” قليل باق ٠٠ خير من كثير منقطع ” ٠
كما أن العرب قديما كانوا يحبذون القلة سواء أكان ذلك في أحاديثهم او رواياتهم فيقال :
” خير الكلام ماقل ودل ” إذ أولت الأهمية للقيمة المعنوية وما يحمله الكلام في طياته من معان سامية ولم تكترث للقيمة العددية ٠٠

وعلى الصعيد الديني تحدث الإسلام عن القلة ولكن من منطلق إيجابي فنحن عندما نتأمل المنهج القرآني وميزانه في مسألة القلة والكثرة نجده يثني على القلة و على أهلها أما الكثرة فقد ذمها في عدة مواطن قال تعالى :
” وما ءامن معه إلا قليل ” ٠
وقوله تعالى : ” وقليل من عبادي الشكور ” ٠
ومنها جاء في الدعاء ( اللهم إجعلني في الأقلين ) ٠

بعكس الكثرة فلم تكن محبذه وكان الشرع يتحدث عنها من منطلق سلبي اما ذم لأهلها او توبيخ ٠٠ قال تعالى : ” وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ” وقوله تعالى: ” ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ” ٠فهذه الآية نزلت في معركة حنين عندما أعجب المؤمنون بكثرتهم وظنوا أن النصر حتما حليفهم إذ بلغ عددهم اثني عشرا الفا من المهاجرين وكذلك الأنصار فجلى منهم ألفين فكاد العدو أن يهزمهم حتى جاء نصرهم من عند الله ولم تغنهم كثرتهم شيئا فالنصر بيد الله سبحانه ٠٠
وقوله :” أكثر الناس لا يؤمنون”
وقوله : ” أكثر الناس لا يعلمون ” وربما تحيدنا الكثرة عن طريق الصواب وتضللنا عن الحق قال تعالى : ” وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله “٠٠

ومن هنا نختم حديثنا إلى أن جل الأمور لا تقاس بكثرتها وإنما بقيمتها وجوهرها الحقيقي وهنا يكون نفعها وصلاحها بإذن الله ٠٠