علي احمد معشي

يقف العالم اليوم في منعطف خطير حيث طغى الكفر والفساد على الخير والصلاح وتسلمت الأمم الخارجة عن الملة والدين زمام الأمور وقادت العالم نحو مزيد من الكفر والطغيان والتنكر للخالق العظيم ونشرت الخوف والحرب والسلاح وظنت أنها بما امتلكته من قدرات وامكانيات مادية وعلمية قادرة أن تسيطر على تفاصيل الحياة وتسيرها كيفما تشاء وذهب بها صلفها إلى أن تدبر المكائد وتصنع الخطط وتنشر خيوطها العنكبوتية لصناعة الأحداث وإدارة الحروب بكل أنواعها متناسية أن للكون رب يحميه وللعالم مدبر يملك تفاصيله ويهديه ، في الوقت الذي تأخر المسلمون عن القيام بدور الريادة وفقدوا السيادة التي هي حق لهم منحه الله لهم في كتابه الكريم وقوله الحكيم ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس )
وإن من سنن الله في الكون أن يقمع الفساد ويمحق الباطل ويهزم الطغاة ويقصم ظهر الجبابرة والظلمة والمفسدين وإن أمهلهم أو منحهم المدى ليتراجعوا وهكذا كلما استبد الباطل وتمدد واختفت ملامح الطاعة واستشرت ملامح المعصية وأعلاها الكفر والشرك وأدناها الذنوب والمخالفات إلا أنزل الله عقابه وعذابه لعلهم يرجعون ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم :41].
ألم يهلك قوم نوح بالطوفان والفيضان الهائل وأهلك قوم عاد وثمود بالريح والصيحة العظيمة كما أهلك قوم فرعون بالغرق وابتلاهم بالضفادع والقمل والدم ومسخ بني اسرائل قروداً وارسل الأمراض والطواعين على أمم سابقة ، وهي نوع آخر من العذاب يصبه الله على الأمم المتجبرة الكافرة أو المسلمة العاصية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطاعون رجسٌ أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم)) [البخاري ح3214، مسلم ح4108]. 
وقد توعد الله فيه عصاة الأمم فيما جعل الطاعون رحمة وشهادة لهذه الأمة قال صلى الله عليه وسلم: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) [ابن ماجه ح(4019)، والحاكم (4/540) ووافقه الذهبي على تصحيحه].
قال القرطبي: “الله لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية حتى يغيروا ما بأنفسهم بالإصرار على الكفر، فإن أصروا حان الأجل المضروب ونزلت بهم النقمة”. [تفسير القرطبي 9/292
ونحن إذ نشير إلى هذه المعاني لسنا بصدد نشر الاحباط واليأس من رحمة الله كما يظن البعض بل ننشر ونذكر بما ذكره الله في كتابه الكريم وأشار إليه نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة من سنن العذاب والانتقام وهي مثبتة وصريحة لتكون للناس فيها عبرة ودعوة للعودة إلى طاعة ربهم وعبادته والقيام بواجبهم ودورهم القيادي والسيادي حيث بعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالاسلام للناس كافة ورحمة للعالمين وليس لفئة أو طائفة أو أمة دون أخرى وهذه مكانة رفيعة ومقام عال لا يليق بالمسلمين التخلي أو التنازل عنه تحت أي ظرف .
وإننا نلاحظ اليوم كيف عجز العالم بأسره عن حماية نفسه من ميكروب دقيق لا يرى بالعين المجردة وفشلت كل العلوم والوسائل التقنية الحديثة عن صده ومنعه بل أنه يفتك بالناس ويلجؤهم إلى داخل منازلهم ويمنعهم من المتعة بحياتهم الطبيعية وعيشهم الرغيد ويخسف بالاقتصاد والتجارة العالمية ويهدد الشعوب بالافلاس ويتوعدهم بالموت صرعى تحت وطأته ، فهل يمكن لعاقل أن يعتبر كل ما يحدث محض صدفة أو حالة مرضية عادية وإن صدقت التنبؤات بافتعاله من قبل دول ضد أخرى إلا أن الأمر تفاقم وخرج عن كل الحسابات الآدمية ليصبح حديث الساعة وكارثة العصر وجائحة العالم .
هناك من يرى أن هذا الكلام من نسج الخيال ومن قبيل المبالغة ، لكن المتتبع لسنن الحياة ونواميس الكون وسير التاريخ القديم والحديث يعلم أن وراء الأمر ما وراءه من حكمة إلهية عظيمة فالله تعالى ( بيده ملكوت كل شيء ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فالحساب والجزاء سيكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
ومن جميل ما يتمتع به المؤمن أنه يعلم أن الله تبارك وتعالى لا يضيع عمل المحسنين وأجر الطائعين ولا يرد توية التائبين الآيبين ولا يعذب المستغفرين المخبتين بل وعدهم بالثواب العظيم في الآخرة وإن أصابهم عموم العذاب حين يعم الخلائق أجمعين فالله رحيم بعباده ورحمته وسعت كل شي. (والعافبة للمتقين )
وستبقى السيادة للإسلام والبقاء للحق واليقين.