عبدالله الظافري

انطلاقاً من العناية الفائقة التي تقدمها حكومة المملكة العربية السعودية للحرمين الشريفين وقاصديهما، وحرصاً من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بتقديم كل العناية والاهتمام والدعم للدروس العلمية وتهيئة المجال للعلماء لخدمة طلبة العلم، لينهلوا من العلم الشرعي، وذلك بجعل الحرمين الشريفين منارتين للعلم والمعرفة، ينهل منهما المسلمون من العلوم الشرعية من خلال دروس يلقها نخبة من أصحاب المعالي والفضيلة العلماء، نقف مع عالم جليل ملأ صوته وعلمه جنبات المسجد الحرام منذ قرابة ربع قرن، هو فضيلة العلامة الـمُحدث وصي الله عباس.
مولده نشأته:
هو وصي الله بن محمد عباس بن أحمد عباس، ولد سنة 1948م الموافق 1367 هـ، وهو من العلماء العاملين، والدعاة المخلصين، صاحب التصانيف البديعة، والتحقيقات الرصينة، معروف بالدعوة إلى السنة والدفاع عنها، والتحذير من الأهواء والبدع، مشهور بالحض على الاتباع ونبذ التعصب والتقليد، داعيا إلى الاجتماع ونبذ التفرق والتحزب، ومؤلفاته ودروسه ومحاضراته وندواته التي يعقدها – منها ما هو باللغة بالعربية، ومنها ما هو بالأوردية.
رحلته في طلب العلم:
فقد بدأ – حفظه الله- في طلب العلم بدراسة الابتدائية في مدرسة منطقته في الهند الشمالية ثم ارتحل إلى مدينة ( بنارس )إلى الجامعة السلفية بالهند فدرس فيها العالمية الأولى ثم رشحه مسؤلوا الجامعة الإسلامية للدراسة بمدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فالتحق بالصرح الشامخ: الجامعة الإسلامية، ومنها حصل على درجة البكالوريوس، وكانت هذه الحقبة من أجمل فترات حياة الشيخ؛ إذ أدرك جملة من كبار أئمة هذا العصر كالعلامة المفسر الأصولي محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله- ودرس عليه آداب البحث والمناظرة، ومباحث أصولية، ومجالس في التفسير، وتأثر كثيرًا في هذه الحقبة بفضيلة العلامة المحدث حماد الأنصاري رحمه الله، خصوصًا في تخريج الأحاديث والبحث والتنقيب عنها والحكم عليها صحة وضعفًا، والعناية بالمخطوطات والكتب، ومنذ ذلك الحين بدأت الملكة الحديثية للشيخ تربو، وكان لتخريجات ومؤلفات المحدث الألباني أثرا بالغا عليه، ولأجل ذلك كان حريصًا على حضور لقاءاته ومجالسه وسؤاله والاستفادة منه كلما نزل في المدينة، أو مكة في عمراته وحجاته.
كما التقى بفضيلة العلامة المغربي محمد تقي الدين الهلالي ولازمه ملازمة الولد لوالده، وخدمه في بيته أكثر من سنتين وتأثر به في شدة التمسك بالسنة، وبعنايته بجانب اللغة والأدب والشعر، وقد سايره الشيخ في جملة من الأسفار الدعوية التي حقها أن تُفرد في مؤلَّف مستقل.
كما استفاد فضيلته من الإمام عبد العزيز بن باز – رحمه الله- نائب رئيس الجامعة الإسلامية آنذاك، والشيخ صالح العلي العراقي رفيق الشيخ ابن باز في الطلب، والشيخ محمد السبيل وعلماء آخرين لا يتسع المقام لعدهم رحم الله الجميع، وقد كان لهؤلاء العلماء الأجلاء الدور البارز في تكوين شخصية الشيخ وصي الله وتميزه على أقرانه، وعلو كعبه خصوصًا في جانب اللغة، والحديث وعلومه، وأصول الدين، وعلم الجدل والمناظرة، ولما فُتح قسم الدراسات العليا بمكة المكرمة انتقل لتكملة مشواره العلمي والعملي، فحصل على الماجستير في عام 1397هــ، ثم الدكتوراه في عام 1401هــ، وعنوان رسالته في الماجستير: (الضعفاء والمجهولون والمتروكون في سنن النسائي)، ورسالته في الدكتوراه: (فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل – تحقيق).
الدعوة في حياة الشيخ:
وفي مرحلة مبكرة من حياته كانت له جهود دعوية مباركة في توعية الجاليات والحجاج بالترجمة وإلقاء المحاضرات والدروس، إضافة إلى السفرات الدعوية إلى مصر واليمن، وأنحاء من الهند وبريطانيا وفرنسا، عُيِّن في تلك الفترة ضمن توعية الجاليات في موسم الحج والعمرة، ورُشِّح من قِبل كلية الشريعة للتدريس في معهد الحرم المكي الشريف وهو في مرحلة الدكتوراه، والتقى في هذه الفترة بفضيلة العلامة عبدالله بن حميد رئيس الإشراف الديني على المسجد الحرام ورئيس معهد الحرم المكي – رحمه الله- وكانت له معه مجالس استفادات ومباحثات ، وكان الشيخ ابن حميد يقول: (لا تفرطوا في وصي الله)، وكذلك كانت علاقة الشيخ بالعلامة محمد عبدالله السبيل – رحمه الله- وطيدة وقد سافر معه عدة سفرات في الخارج، ولشدة الثقة به عُيِّن مستشارًا لرئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وعضوًا في لجنة تجديد أعلام الحرم المكي الشريف، وله كتاب عظيم النفع، غزير الفوائد، جمع فيه الروايات التاريخية والأحكام المتعلقة بالمسجد الحرام وسمه: بــ(المسجد الحرام تاريخه وأحكامه) طبع في مجلدين.
مسيرته التعليمية:
وقد أصبح الشيخ ذا دراية بأخص علوم الحديث كعلم العلل، وهذا ظاهر في تحقيقه لكتاب: (العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد -تحقيق)، وللشيخ بحث في هذا المجال بعنوان: (علم العلل ودوره في حفظ السنة) وقد دُعي للمشاركة ضمن ندوة السنة والسيرة بمجمع خادم الحرمين الشريفين بالمدينة المنورة، وكذلك له باع في علم الرجال وعلم الجرح والتعديل وغيرها من العلوم، وله أبحاث نفيسة في هذا الباب منها: (الاتباع وأصول فقه السلف)، (فقه أهل الحديث خصائصه ومميزاته)، (تحقيق الكلام في قراءة الفاتحة خلف الإمام)، ومن البحوث في باب المعاملات: (أصول العمل الاقتصادي في ضوء الكتاب والسنة).
وكذلك عُين للتدريس في كلية الشريعة التي صارت بعدُ (جامعة أم القرى) وبها عُين أستاذًا، وللشيخ بصمات لا تُنسى في هذه الجامعة العريقة، فإضافة إلى التدريس والإشراف على الرسائل العلمية، فمناهجها سواء لمرحلة البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه كان عضوًا بارزًا في إعدادها.
وفي عام 1419هــ، اختير الشيخ للتدريس في المسجد الحرام وله إشراف مباشر وغير مباشر على جملة من المشاريع الدعوية في الهند خاصة، نسأل الله أن يبارك له في علمه وعمله .