بقلم ..أ/ أسماء بنت محمد اللهيميد

” الحمدللهِ الذي بنعمَتهِ تتمُ الصالحات “

إن الحياةَ المهنية تُنتجُ بحرًا من التجارب، كانت محصلة لظروف مختلفة شكلت جزءًا كبيرًا من سعادتي حيثُ كان يعتمد ذلك على خياراتي وليس على ظروفي.  

فأثناء خبرتي المتواضعة في ميدان العمل بالتعليم،

مررتُ بالعديد من التحديات والضُّغُوطاتْ واللحظاتِ الحرجة والمُفرحة، وكنتُ أقفُ موقفَ المتأملِ المستخلصِ للدرس مماسبقني في المهنة، وكأنَّ المسار المهني اُختزل لدي في لحظاتٍ، ولكن شتّان بين المستمعِ والمجرب. 

فقد انتهت لحظات جميلة قضيتها بينكم كما ينتهي أي شيء في هذه الحياة …

وهذه هي نهاية المطاف لي كموظفة لكنها بالتأكيد لن تكون نهاية معرفتي بكم واعتزازي بإخوتكم .

(٢٦) عامًا أمضيتها في خدمة التعليم متنقلة بين مهام وأخرى منذ أن تخرجت من معهد إعداد المعلمات وعملتُ معلمة إلى أن شغلت مهمة رئيسة قسم الجودة الشاملة؛ فكانت هذه المراحل على اختلافها؛ هي صفحات في سجلٍ واحدٍ عنوانه مسؤولية عظيمة وواجب مقدس. 

وها أنا اليوم أختمُ مسيرةَ عقدينِ من الزمن في التعليم، بغرس بذرة خيرٍ وهي إنشاء مشروع ” حفرُ بئرِ ماءٍ في الهند ” محتسبة أجره لـ ” تعليم حفرالباطن ” لكل من عمل في هذا الصرح التعليمي الشامخ. 

فقد تلقيت منه دروسًا عظيمة، لايمكن تلقيها نظريًا، مهما حاول المرء أو سعى، حتى يُقيّض الله له من يدربه عليه ويجرعه مرارته أول الأمر، ليكون شيئًا معتادًا بعد ذلك.  

شكرًا لكم … فأنتم – ذووا الفضل – ولو لم تشاؤوا في صناعة قدرٍ من الاتزان لحياتي. 

شكرًا لكم … فأنتم من شحذ الهمة، وصنع التحدي، وفتح المضمار، وشرع السباق، ليصبح المرء شديد الشح بنفسه، كثيرُ الحدبِ عليها … حريصًا على ترقيها وتحريها لمقامات الرفق والفضل .

وأنتم من دربنا على الصبر والاحتمال، ومقابلة السيئة بالحسنة.  

شكرًا لكم … فلقد أزفَ الوقت، وحان لتنطوي صفحاتٍ من عمري قضيتها معلمة فيها أبناء هذا الوطن الغالي الشامخ الأبي. 

وقبل الرحيل ودِدتُ أن أؤوكد للجميع أن الترجل عن كرسي الوظيفة ليس النهاية، بل هو بداية حقيقة لمرحلةٍ أخرى سأواصل فيها مسيرة عطاء بنفس القدر من الهمة والإنجاز، من أجل خدمة وطن، ورقي مجتمع.  

وقبل أن أختم كلماتي، ماذا عساي أن أقول عن الإخلاص والتفاني أم عن حُبِ العمل؟! هي فصول لاتنتهي من التميز والإبداع والوفاء، ولا أظن قلمي سينقل كل ما في خاطري أو يكاد يفي بما سَرّ وأبهجَ الناظر؛ من زميلات وزملاء عملتُ معهم تحت مظلةٍ واحدة طيلة فترة عملي، فقد كنتم العزيمة التي تدفعني إلى العمل دفعًا، وكنت أكبر فيكم جهادكم الدائب، وقدرتكم على رفع التحدي، رغم ماتعانوه أخوة وأخوات، ورغم المجهودات التي ترهقكم؛ لكنها لم تنلْ من عزائمكم، كنتُ وسأبقى فخورة بكم . 

وكم أنا سعيدة بنجاحكم الذي لم ولن تعرف شموسه غروبًا – بإذن الله- إنكم تنفقون أعماركم في سبيلِ نشر العلم وفضائلهِ ولاتنتظرون جزاءًا ولا شكورًا.

ولم أسمع منكم إلا طيبَ الكلام الذي يملأُ نفسي طمأنينةً ورضًا .. ولكنَّ يدي كانت قاصرة على مكافأتكم، وكان على لساني أن يطولَ بشكركم .

وكلما عزمتُ على الاعتذارِ منكم خانني التعبير وأخطأتُ في حقكم. 

وأنا إذ أودعكم اليوم لا أخالني أجدُ غيركم سماحة أخلاقكم، ولا سمو مشاعركم.  

وأخيراً ألتمسُ منكم ألا تبخلوا علي بدعواتكم في كل أحوالكم وحيثما كنتم .

” رَبّنَا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنَا عذابَ النار ”