بقلم.... انتصار عسيري

يقال : مهمة الفنان أن يلغي البياض والسواد في العالم.. 

وكأن هناك شبهة ما في هذين اللونين.. أو نذير شؤم تدفعها عنك .. أم كأن اعترافك بهم يلغي علاقتك بالألوان الأخرى.. وكأن البياض هو الموت، والسواد هو الصندوق الأسود للطائرات المنكوبة.. 

وكأن الجمال الفني مرتبط فقط بوقع السلم اللوني على العين والروح.. 

فيسرف الفنان في الألوان المتعددة..

وتمتلئ الخزائن والمنازل بالألوان.. ما السبب! ؟ 

هل بهذا الفعل كان الإنسان ينبذ الألوان الأولى له في لحظة تكونه في ظلام وسواد رحم أمه.. أو فضاء الوعاء الأبيض المائي الذي يحتويه ويحيطه وهو جنين.. 

ورؤيته للضوء الأبيض الساطع لحظة ولادته..!! 

هل كان بذلك يتمرد على نشأته الأولى برغم أن الحقائق لا تظهر عارية وواضحة إلا في غياب الألوان.. 

لذلك لجأ المخرجون السينمائيون إلى إخراج افلام حديثة ومستقلة بالأبيض والأسود وحصدت الجوائز.!! 

فقط لأنه أراد تمرير محتوى يحمل حقيقة مجردة ومرة، فتخلص من فوضى الألوان لتمس أحاسيسك دون نفاق وبهرجة.. 

وهناك تجربة أخرى للشاعر أمل دنقل في آخر ديوان له في قصيدته البديعة ” حديث غرفة تحمل رقم ٨ ” 

 عندما كان في حضرة اللون الأبيض 

قال : كل غرف المرضى رقم في مملكة البياض.. 

(كان نقاب الأطباء أبيض .. لون المعاطف أبيض.. تاج الحكيمات أبيض .. أردية الراهبات.. الملاءات.. لون الأسرة.. أربطة الشاش والقطن.. قرص المنوم .. أنبوبة المصل.. كوب اللبن) 

ولا ننسى التجارب المعمارية لمعالم ومباني وتماثيل في الساحات والميادين.. أبرزها وأجملها كانت تتشح بالبياض والسواد..!!