بقلم... عبدﷲ مطر العنزي

 

ينبغي أن يكون للمبادئ شرطان: الأول هو أن تكون من الوضوح والتميز بحيث لا يمكن للفكر البشري أن يشك في حقيقتها.  والثاني هو أن تتوقف عليها معرفة الأشياء الأخرى  ( ديكارت ) 

يبدو لي أن السعودي عندما يسعى إلى التخلص من النقل والخضوع لسلطة السائد في بناء أحكامه بشكل شخصي من القضايا المطروحة يكون قد تحرر فعلًا من التبعية وتقدم نحو التفكير بنفسه، غير أن ما يلاحظ هو أن هذا التفكير لا يبلغ الدقة المنشودة ما لم يفحص نَقْديًّا المبادئ الأولى التي تستمد منها الأحكام وجودها ومشروعيتها. إن المعارف الأكثر دقة هي التي تتوجه قبل كل المعارف الأخرى وعلي النحو الأكثر مباشرة صوب المعرِّف والمبادئ الأولى فالعلم الذي يدرس العلل يمكن تعليمه أفضل من أي علم آخر لأن التعليم الحق يمكن في عرض علل كل شيء بالتفصيل أما عن تعلم الأشياء ومعرفتها لذاتها لا غير فهو السمة الرفيعة للعلم الذي يهتم بما يكون قابلا للمعرفة على أكمل وجه ممكن؛ لأنه حينما لا نطلب المعرفة حتما يكون الجهل الجديد، ولذا فنحن نطلب المعرفة من أجل المعرفة فالعلم الأكثر كمالًا هو الذي بحق علم المبادئ هذا العالم الذي يدرك الهدف من كل شيء ينبغي فعله، والحال أن الهدف الأقصى لكل شيء هو ما يكون خيرًا، فليس هناك أصم كما يقول المثل أكثر من الذي لا يريد السماع وليس هناك أعمى أكثر من الذي لا يريد أن يرى والشرط الأول للرؤية والإصغاء إلى الأشخاص والأشياء هو الانفعالية والأهمية غير العادية والدور الحاسم والعميق للانفعالات والأهواء والبعد الوجداني للخير والشر، كم ستكون حياتنا فقيرة بدون الحيوية والعزم والإرادة، يوجد في الحقيقة شكلان للجهل يمكن وصفهما بالجديدين وإنما هما متناقضان كُليًّا الشكل الأول يفتح الطريق ويحررها من كل سلطة قاهرة والثاني يسجن ويقتل صاحبه في التبعية، فالذي يفتح الطريق بإشهاره باستفهامات جديدة تثيرها اكتشافات جديدة فهو محرك مقدمات المعرفة جميعًا بسؤال لماذا ؟ التي هي سؤال العلم والمعرفة، أما الثاني الذي يسجن ويقتل صاحبه فهو الوهم والجهل المزدوج وقد عاد اليوم بكل حرفية عبر وسائل الإعلام الحديثة وعبر بوابة الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي فقد قال سقراط لألسيبياد : ( كما أنك تتعايش يا صديقي المسكين مع أسوأ أنواع الجهل ) فقولك بحد ذاته يتهمك أنت بالذات وهكذا ترمي بنفسك في السياسة قبل أن تكون قد تثقفت وتعلمت ووعيت وهذا هو سبب كل الأخطاء التي يتعرض لها فكرنا العربي؛ لأنه يحدد الحماقة والجهل والتبعية العمياء لهؤلاء السجناء الذين أصبحوا خبراء في الظن ومسرورين بسوء الظن؛ لأنهم لا يعرفون شيئا عن العلم الحقيقي ولا العقل الصحيح في التفكير الجمعي، فجذور التعصب ضاربة في عمق التاريخ غير أن الإنسانية لم تتمكن من مجاوزة مفاعيله مجاوزة نهائية، ولعل استمرار هذه الظاهرة في التاريخ المعاصر وما اتخذته من صيغ وتلوينات مهددة للحياة الآمنة صار يدعونا أكثر من أي وقت مضى إلى فهم الجهل الجديد كظاهرة وذلك برده إلى أسبابه الحقيقية بدلا من أن نبقي في حدود إدانة نتائجه، فقد شهدت كل الأزمنة متعصبين يرون أنفسهم شرفاء دون ما شك والجرائم التي اقترفوها إنما هي امتداد لفكرة أو دين أو تصور منقوص في عقولهم الجاهلة عن العدالة أو عن الحرية فالمتعصب هو شخص غير متسامح يسكنه هاجس نصرة عقيدته التي يراها يقينًا لا يقبل المراجعة وهو مستعد لاستعمال العنف حتى يحمل الناس على الإذعان لها واعتناقها وقد يصل بهم الأمر إلى تصفيتهم جَسَديًّا في حال رفضهم لذلك يقال هذا على المتعصب بكل أنواع التعصب الديني والعرقي والكروي والجنسي واللوني، وتتسع دلالة اللفظ لتشمل أصناف التعصب كلية فالمتعصب خطيب أطرش يصل به التفكير إلى التدمير الذاتي لتصبح ظاهرة وخاصة لدى المسنين والشباب وتصبح المخدرات والعنف والجريمة ومجموعة الأسلحة التي تؤدي إلى الانتحار بالألعاب والفراغ معًا ليولد الملل والجهل الجديد الذي يؤدي بالمجتمع لا قدر الله إلى نوع من التلاشي والفوضى الهدامة .

لحظة نور: رؤيتنا لبلادنا التي نريدها دولة قوية مزدهرة تسع للجميع دستورنا الإسلام ومنهجنا الوسطية نتقبل الآخر سنرحب بالكفاءات من كل مكان وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح . 
محمد بن سلمان  ولي عهد المملكة العربية السعودية