بقلم.. جواهر الحارثي

طالما نردد مصطلحات من باب العادة دون التعمق في قيمها الجوهرية، ولعل كلمة “فلسفة” تحديدًا أتت بين المجتمعات في غير موضعها الحقيقي، بل وتأخذ جانب التندر بمُمثلها للأسف، فيقال فلان “يتفلسف” في حين أن “الفلسفة” philosophia مصطلح يدل على علم أصيل بذاته يعني: (حب الحكمة) من اليونانية، ويحث على المغامرة العلمية والمعرفية، والأشخاص الذين تظهر لديهم بوادر الفلسفة والفضول للوصول إلى الحقائق لا شك أنهم قيمة مضافة في مجتمعاتهم، لم يكتفوا بالأفكار المقولبة. أحبوا المعرفة وغامروا بجهودهم الفكرية لاكتشاف مالا يعرفه الآخرون،

يقول “سقراط الحكيم” الفيلسوف اليوناني:

(إنّ كل ما أعرفه، هو أنني لا أعرف شيئًا)!

من هنا تنبعث فكرة الفلسفة، عندما نُقرر أن نكون أكثر وعيًا بما يدور من حولنا، وأن ليس كل ما في الوجود مسلمات نعمل بموجب معطياتها فحسب، بل لنا أن نبحث عن حقائق الأشياء، حتى نصل لما يتفق مع قناعاتنا وقدراتنا العقلية، إضافة الى ما يتفق مع المتغيرات المعاصرة التي تحث على المعرفة والتعلم بشكل جاد لا يعرف الهزل، وبما يضمن الحفاظ على وجود فلاسفة معاصرون جديرون ببناء علوم ومعارف جديدة على الأصول العريقة لها، فقد يكون من نتاج تفكيرهم علوم جديدة لم يتطرق لها أحدٌ من قبل، 

لم يكن الفلاسفة بشر مختلفون في تكوينهم البشري، أو منفتحين على العالم الخارجي ككل، بل ربما أن أكثر صورة ترتسم في أذهاننا للفلاسفة الانغلاق على كتبهم وأوراقهم في أغلب الأوقات، وهذا صحيح إلا أنهم كانوا في ذلك الانغلاق منفتحين على أفكارهم التأملية باحثين عن إمكانيات جديدة للوجود تجعل حياتهم تأخذ شكلًا مختلفًا وأكثر تأثيرًا، يستثمرون جميع حواسهم لاكتشاف المعاني الغامضة، ومن خلالهم استطاع الأشخاص العاديون أن يعيشوا في أرجاء عالم متعدد المعاني دون أدنى جهد، بالرغم أنه لا فرق بين التكوينين، إلا أن كلًا منهما تفاعل مع “هكذا هو الأمر” بشكل مختلف؛ أحدهما بحث في “هكذا” والآخر آمن بـ “هكذا” هكذا بلا فلسفة؛

ما يفعله الفلاسفة وفقًا لما طرحه “ديكارت” الفيلسوف الفرنسي، الملقب بـ “أبو الفلسفة الحديثة” أنهم يضعون جميع الأفكار التي تمتلئ بها رؤوسهم على الطاولة إذ شبه رؤوسنا بسلة تفاح ملأى، منها ما هو سليم ومنها ما هو فاسد، وعلينا استعادة الأفكار السليمة والتخلص من الأفكار الفاسدة، حسب ما يمليه علينا “الوعي الخالص” فالأمر لا يعني قدرة خارقة لدى الفرد أو صناعة ملكة لا نمتلكها، إنما يعني معرفة استخدام الوعي الخالص للتفكير الصحيح،

يقول الفيلسوف البريطاني “لودفيك فيد جنشتين:

” ((غاية الفلسفة هي أن تجعل الأفكار الغامضة والمبهمة واضحة ومحددة))

مسك الختام:

أطلقوا العنان لفلسفتكم الشخصية ولمن “يتفلسف”، قاطعوا التندر، اصنعوا عالم جديد بنكهة فلسفية عريقة تجعل لوجودنا قيمة أكبر ولرحيلنا بصمة خالدة.