جدة

أكد الدكتور محمد بن على بن صالح الغامدي المشرف العام على وحدة التوعية الفكرية بجامعة الملك عبد العزيز أن من أسس الدين الإسلامي الذي رضيه الله تعالى لعباده، الدعوةَ إلى الاجتماع ونبذِ التفرق، وقد جاءت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية معظمةً لشأن الجماعة، ومُحذرةً من الفرقة، فقال عز وجل: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}.

وبين سبحانه أن من أعظم الرزايا تفريق كلمة المسلمين، فقال جل وعلا: {ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزبٍ بما لديهم فرحون}.

ولقد ثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم الأمرُ بلزوم جماعة المسلمين، فقد أخرج الترمذي عنه أنه قال: “عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة”، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: “يا أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة هو خير مما تحبون في الفرقة”.

وقد منّ الله تعالى على جزيرة العرب في هذه الأعصر المتأخرة باجتماع أهلها، وتآلف قلوبهم ، ووحدة أراضيها ، تحت راية توحيدٍ خالصٍ لله رب العالمين ، وولاية شرعية مسددة تنضبط بها حياة المسلمين. تحت مسمى (المملكة العربية السعودية).

جمع الله أهلَ هذه البلاد المباركة على يد مؤسسها رحمه الله تعالى بعد فرقة وشتات، وتنافر واحتراب، فقامت على أسس شرعية راسخة يفخر بها ولاتها وأهلها منذ تأسيسها، وهذه نعمةٌ عظيمة، ومنّةٌ جليلة ليس عليها فحسب، بل على العالم الإسلامي بأسره، إذ خصّها الله تعالى بوجود قبلةِ المسلمين، ومهوى أفئدةِ الموحدين، ومُهاجَرِ سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

فأمن فيها أهلُها والواردون عليها بعد خوف، وتنعموا فيها بعد جوع وفاقة، واجتمعوا بعد تشرذم وفرقة، وتقاربت أفئدتهم بعد تنافر وتباعد.

وهذه المنن الكبرى، والمنح العظمى تستوجب على أهل هذه البلاد، وقاطنيها من عموم إخوانهم المسلمين المحافظةُ على أمنها، ونبذُ الفرقة والاختلافِ فيها، والتيقظ من أن يعبث أحدٌ بأمنها أو يسعى إلى زعزعته تحت أي شعار.

نعم: لسنا مجتمعًا ملائكيًا معصوما، ولم يدّع ذلك أحدٌ منّا حكامًا ومحكومين، ولكنّ هذه البلاد المباركة بلا شك قد خصها الله ربُّها بما لم يخص به بلادًا من البلدان تكليفًا وتشريفًا، وابتلاءً وامتحانا، وهذه الحقائق لا يجادل فيها إلا مجادل، ولا يجحدها إلا مبغضٌ مكابر.

ولا يعني ذلك بحال: أن يتيه أهلها بما أفاءه الله عليهم، فيفخرون على من سواهم، ويزدرون غيرهم، أو يغمطونهم حقهم؛ بل ليعلموا أن الواجب لبلادهم عليهم كبير، والمسئوليةَ الملقاةَ على عواتقهم عظيمة جليلة.

فَوَطَنٌ فِيهِ قُوتٌ وَرِزقٌ، وَتَوْحِيدٌ وَوَحْدَةٌ، وَأَمْـنٌ وَإِيمَانٌ، لَهُوَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْـتَوْجِبُ الشُّكْرَ، وَمِنَّةٌ تَسْـتَدْعِي الحَمْدَ.

إِنَّ وَطَنَنَا المُبَارَكَ َيسْـتَحِقُّ مِنَّا التَّمَسُّـكَ بِهِ، وَالاعتِزَازَ بِالانتِمَاءِ إِلَيْهِ، وَصَوْنَ مُقَوِّمَاتِهِ وَإِنْجَازَاتِهِ، وَالعَمَلَ الدَّؤُوبَ لأَجْـلِ رِفْعَتِهِ وَعِزَّتِهِ؛ ألا فلنعلم بأَنَّ مَحَبَّةَ الوَطَنِ وَالحِفَاظَ عَلَى أَمَانَتِهِ لَيْسَتْ شِعَارَاتٍ مُجَرَّدَةً، وَلا عِبَارَاتٍ جَوْفَاءَ، بَلْ لا بُدَّ أَنْ تَتَغَلْغَلَ فِي القَلْبِ إِيمَانًا، وَتَسْـكُنَ فِي النَّفْسِ اقتِنَاعًا، وَتُتَرْجِمَهَا الجَوَارِحُ وَالطَّاقَاتُ سُلُوكًا وَعَمَلاً.

وإنّ أَوَّلَ نَوَاةٍ لِبِنَاءِ الوَطَنِ وَقِيَامِ الدَّوْلَةِ وَتَأْسِيسِ الحَضَارَةِ هِيَ الوَحْدَةُ والتَّكَافُلُ والتَّآلُفُ بَيْنَ أَفْرَادِ المُجْـتَمَعِ، وَهَذَا مَا حَرَصَ عَلَيْهِ نَبِيُّنَا الكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم وَهُو يَضَعُ أُسُسَ الدَّوْلَةِ المُسْلِمَةِ فِي المَدِينَةِ، فَآخَى بَينَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَوَضَعَ وَثِيقَةَ المَدِينَةِ، وَبَثَّ رُوحَ التَّآلُفِ وَالمَحَبَّةِ.

إِنَّ هُنَاكَ مَنْ لا يَحْـلُو لَهُمْ إِلاَّ قَطْعُ حِبَالِ تَآلُفِكُمْ، وَتَمْزِيقُ أَوْصَالِ وَحدَتِكُمْ، وَهَدْمُ بِنَاءِ دَوْلَتِكُمْ، فَلا يَفْتَؤُونَ يَنْشُرُونَ الشَّائِعَاتِ، وَيَبُثُّونَ الافْتِرَاءَاتِ، مُسْتَغِلِّينَ فِي ذَلِك التِّقْنِيَّةَ الحَدِيثَةَ وَوَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْـتِمَاعِيِّ.

فَاحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَصْـنَعُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ لِهَؤُلاءِ أَبْوَاقًا، أَوْ أَنْ تَجْعَلُوا نَوَادِيَكُمْ لِبِضَاعَتِهِمْ أَسْوَاقًا، فَإنَّ فِي ذَلكَ خِيَانَةً وَتَضْيِيْعًا للأمَانةِ.

قِفُوا صَفًّا واحِدًا فِي وَجْهِ كُلِّ مُرْجِفٍ، وَتَنَبَّهُوا لِسَعْيِ كُلِّ مُفْسِدٍ، اغْرِسُوا فِي أَبنَائِكُمْ حُبَّ بلادهم وَالاعتِزَازَ بِإِنْجَازَاتِهِا الحَاضِرَةِ وَمَجْدِهِا التَّلِيدِ، حَتَّى يُحَقِّقُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعْنَى المُوَاطَنَةِ الصَّالِحَةِ، فَهُمْ أَمَلُ الوَطَنِ وَبُنَاةُ الغَدِ.

أَيها الأحبة: لَئِنْ كَانَتِ المُسَاهَمَةُ فِي بِنَاءِ الوَطَنِ وَاجِباً عَلَى مُوَاطِنِيهِ، فَإِنَّ المُحَافَظَةَ عَلَى مُنْجَزَاتِهِ وَمُنْشَآتِهِ مِنْ أَعْظَمِ مَسْؤولِيَّاتِ قَاطِنِيهِ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ استِغْلاَلِها، وصَحِيحِ استِعْمَالِها، فَهِيَ لَيْسَتْ لِجِيلٍ دُونَ سِوَاهُ، وَلاَ لِفَرِيقٍ دُونَ عَدَاهُ، وَالكُلُّ فِي أَحَقِّيَّةِ الانْتِفَاعِ بِهَا سَواءٌ، لِذَا كَانَ مِنَ الوَفَاءِ وَالأَمَانَةِ، المُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَالصِّيَانَةُ.

إِنَّ مِنْ أَهَمِّ المُنْجَزَاتِ، وأَعْظَمِ المُكْتَسَباتِ، الأَمْنَ وَالسَّلاَمَ، وَالوحْدَةَ والوِئَامَ، فَوَحْدَةُ الصَّفِّ غَايَةٌ مُقَدَّسَةٌ فِي الإِسْلاَمِ، ولأَجْلِهَا فُرِضَتِ الفَرَائِضُ وشُرِعَتِ الأَحكَامُ، وتَدَبَّروا فِي مَعَانِي أَركَانِ الإِسْلاَمِ الخَمْسَةِ تَجِدُوا فِيَها زَاداً لِلإِتِلاَفِ، وَبَلْسَماً مِنَ الفُرقَةِ وَالخِلاَفِ، وَإِنَّ مِنَ الوَفَاءِ لِلوَطَنِ الوقُوفَ بِحَزْمٍ وَصَرَامَةٍ فِي وَجْهِ الأَفْكَارِ الدَّخِيلَةِ ومُرَوِّجِيها، والتَّصَدِّي لِلثَّقَافَةِ السَّقِيمَةِ ونَاشِرِيها.

إِنَّ العَبَثَ بِالمُنْجَزَاتِ، وتَعْطِيلَ المَرَافِقِ وَالخَدَمَاتِ، وَزَعْزَعَةَ وحْدَةِ المُجتَمَعات، كُلُّهَا مِنْ خِيَانَةِ الأَمَانَةِ وَالإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ، تَوَعَّدَ اللهُ عَلَيْها أَلِيمَ العَذَابِ، وَأَعَدَّ لِمُرتَكِبِيها شَدِيدَ العِقَابِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

صُونُوا – رحمكم الله- مُنْجَزَاتِكُم، وحَافِظُوا عَلَى لُحْمَةِ بِنَائِكُمْ وَوَحْدَةِ صَفِّكُم، واسمعوا وأطيعوا لمن ولاهم الله أمركم، وقوموا بواجب النصح، ومروا بالمعروف بالمعروف، وانهوا عن المنكر بلا منكر، وشَمِّرُوا سَوَاعِدَكُم فِي الرُّقِيِّ بِوَطَنِكُم، وابْذُلُوا لَهُ طَاقَاتِكُمْ، يُبَارِكِ اللهُ في سَعْيِكُمْ وأَعْمَارِكُم.

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحمي بلادنا من كيد الكائدين وعبث العابثين، وأن يديم علينا نعمة الأمن في الأوطان والسلامة في الأبدان، وأن يوفق ولاة أمرنا للخير، ويجمع بهم كلمة المسلمين، وأن ينصر بهم دينه ويعلي بهم شريعته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللهم احفظ أبنائنا وإخواننا المرابطين على حدودنا بحفظك، اللهم سدد رميهم، وصوّب سهامهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، الله أحقق بهم الحق، وارفع بهم الباطل، اللهم وأعد لبلاد اليمن أمنها وأمانها، واجتماعها ورخائها، وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين.