ماهر عبدالوهاب

 

أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء وأستهل معاليه خطبة الجمعة قائلاً: العقل هو قطب رحى التكليف ، وبفقده ترفع التكاليف ، وسمى عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن اقتحام الشهوات ، والإقدامِ على المكاره والمضرات، والعقل أساس إنسانية الإنسان ، وقِواَم فطرته ، ومَنَاط تكليفه به يفكر ، وبه يدرك ، وإليه يتوجه خطاب الشرع وتكليفاته ، ومن زال عقله رفع عنه القلم يقول الحسن البصري رحمه الله لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه ، والعجب ممن يشتري بماله ما يفسد عقله وإذا كان ذلك كذلك فإن المخدرات مما يهدم أركان مقاصد الإسلام يزلزل بنيانها ، ويهد كيانها وذلك يشمل جميع أنواع المخدرات والمسكرات من مشروب، ومأكول ، ومستنشق ، ومحقون ، وسواء أكان سائلاً ، أم جامدا ، أم أقراصا ، أم مسحوقا ، أم غازياً.

 

وأضاف: المخدرات جماع الشر ، ومجمع الضر ، ومستودع المفاسد ، وملتقى المصائب ، ومكمن الشرر والمخدرات كل بلاء يصغر دونَها ، هي آفة العصر ، ومصيبة الدهر ، وقاصمة الظهر ، تذهب بالعقول ، وتهلك النفوس أصل كل بلية ، وأساس كل رذيلة ، ومفتاح كل شر ، ورجس من عمل الشيطان ، توقع في العداوة والبغضاء ، وتصد عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، وعن كل عمل صالح في الدين والدنيا تمزق الحياء ، وتطفئ الغيرة ، وتذهب بالمروءة ، انتحار بطيئ ، ما جلبت على البشرية إلا السوء ، والفحشاء ، والبغضاء، كم قصرت من أعمار ، وكم أهدرت من أموال ، وكم هدمت من بيوت ، وكم شتت من أسر ، وكم أفقدت من آمال ، وأضاعت من أحلام كم أوقعت في جرائم الاغتصاب ، والانتحار ، والسرقة ، والنهب ، والرشوة ، والبغاء .

 

وأشار: كم في البيوت من أخبار حزينة ، وكم في الصدور من أسرار دفينة : ها هو شاب في مقتبل العمر مطيع لربه ، بار بوالديه ، مستقيم في أخلاقه ، متفوق في دراسته ، يعيش حياة جميلةً ، مليئةً بالتفاؤل والتخطيط ، وبين عشية وضحاها وقع في شباك رفاق السوء ، وأصدقاء الاثم ، ذئابٌ كاسرة ، خادعون واهمون ، فكانت بدايةَ النهاية ، تحولت الحياة الجميلة إلى أشباح ، وانطفأ ضوء المصباح ، وأصبحت الطاعة فسوقا ، والبر عقوقاً ، والأخلاق تمرداً ونفورا ، وتلك فتاة مسكينة ، قرة عين والديها ، وأمل أهلها وذويها ، من أجمل البنات خَلْقا وخُلُقا ، اقترب منها الحاسدات ، وأحاطت بها الغاويات المغويات فوقعت المسكينة في الشِّراك ، وأصبحت ألعوبة في يد كل خادع وأفاك ، لا يدري وليها المسكين : ( أيمسكها على هون أم يدسها في التراب ) وصورة أخرى هي أشد وأنكى : إنه رب أسرة سعيدة ، الوالدة والأولاد يستقبلون أباهم قد عاد من عمله ببشر وبشاشة ، يرتمون في حضنه الدافئ ، ويأمنون تحت ظله الحاني ، وإذا هو بين عشية وضحاها قد انقلب وحشا كاسراً ، وسبعا عضوضا ، قد أتاهم بوجه غير الذي خرج به ، فَحلَّ الخوف في دارهم ، وغطى الظلام ساحتهم ، وعاشوا في قلق ، فتغيرت الحياة الجميلة إلى كدر ، ونكد ، وظلام .

 

وقال: المبتلى بهذه القاذورات ، لا يملك تفكيرا سوياً ، ولا قدرة على حسن الاختيار ، ألعوبة بيد تجار الموت ، الذين يجنون الأموال الملوثة والملونة بدماء الضحايا هذا المبتلى يخسر نفسه ودراسته ، ووظيفته ، وماله ، وسمعته ، وصحته ، وأهله يعيش حياة الانعزال ، والإهمال ، والكسل ، والقلق ، والاضطراب ، حياته خمول ، وعدوانية ، واكتئاب ، وخوف ، وهلع ، محطم الإرادة أضرار بدنية ، ونفسية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وبيئية.

 

واستطرد بقوله: ومن أهم وسائل العلاج التمسك بالدين والقيم الأخلاقية ، والاستقامة على أمر الله ، والالتزام بشرعه ، وأداء ما افترض الله ، والبعد عن ما حرم الله ، وإذا ضعف وازع الدين سهل تقبل الأفكار المنحرفة ، والقيم الفاسدة والأسرة – بإذن الله – في حسن تربيتها لأطفالها هي الحصن من الآفات الاجتماعية التي سوف يواجهها أطفالهم في حياتهم خارج المنزل وهي التي تدفع الخطر الذي يهدد حياة أطفالهم فينبغي على ولي أمر الأسرة أن يكون يقظا ، متابعا ، مدركا لمسؤوليته ، مبادراً في متابعة أولاده ، يقضي مع أولاده الوقت الكافي لرعايتهم ، والاستماع إليهم، والعيش معهم ، والاهتمامِ بهم ، وتبادلِ الحوار معهم ، ومواجهةِ مشكلاتهم ، وكَلَّ ما يشغل تفكَيرهم وينبغي تنمية الحب والاحترام بينهم ، والابتعاد عن العنف والايذاء الجسدي والنفسي ما أمكن ، وتجنبُ العنف والشدة ، والسهرِ خارج المنزل ، يجب ملاحظة أصدقائهم وجلسائهم وقرنائهم ، والحذرُ من قرناء السوء فجليس السوء هو بيت الداء كما ينبغي مساعدةُ الأسرة ، والوقوفُ معها في تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، وتحسين معيشتهم من أجل تربية الأبناء والبنات على أسس أخلاقية سليمة ، وتهيئة العيش الكريم لتقي من شر السقوط في هذه الموبقات.

 

ونوه فضيلته إلى أن الإسهام في العلاج والتوعية مسؤولية الجميع ، فالجهات المختصة لها دورها ومسؤوليتها أعانهم الله وسددهم ، المدرسة ، وأهل العلم في المساجد ، وأصحاب القلم ، والرأي ، والحقوق ، والاقتصاد ، والصحة ، والأندية الرياضية ، والثقافية ، والجمعيات المهنية بأنواعها ، رجالية ، ونسائية ، والمؤسسات الثقافية والإعلامية ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، والجمعيات الخيرية ، وكل غيور ومحب لدينه وبلده ، وأهله ، كل هؤلاء عليهم مسؤولياتهم في المتابعة والتبليغ والعلاج .

كما ينبغي النظر في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتهيئة فرص العمل ، والنظر في مشكلة الفراغ والبطالة .

 

 

واختتم: استنفار المجتمع ، وإنذار الناس من مخاطر هذه الأفات مسؤولية الجميع وإن الأرقام التي تعلن مخيفة ، وطرقَ التهريب والترويج يشيب لهولها الوالدان كما إن المسؤولية كبيرة ، والواجب عظيم على الفرد ، والأسرة ، والمجتمع ، والدولة فتعاونوا جميعا مع الجهات المسؤولة التعاون التام ، فالمصلحة للجميع ، والضرر على الجميع وبلادنا تقود حربا ضروساً واسعة ضد هذه الأفة على جميع الجهات الأمنية ، والاجتماعية ، والصحية مستهدفه إشراك عناصر المجتمع كافة تعمل بجد وحرص ، وتتخذ الإجراءات الوقائية والتربوية، والتوعوية بمخاطر هذه الأفة الفتاكه ، كما تقوم بتوفير الدعم النفسي ، والاجتماعي للمبتليين وأسرهم كما إن قدرات رجال أمننا وأجهزة مكافحة المخدرات الفذة وجهودهم الجبارة مع زملائهم في الجهات المختصة الأخرى في مكافحة هذه الأفة يسجل إنجازات ، وتسطر بطولات ، بإفشال طرق المهربين والمروجين بكل أنواعها وأشكالها.