عبدﷲ الظافري

نبه إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد على ألا ينسب الإنسان إذا خصه الله بخصيصه أو مرتبة أو منزلة، إلى حوله وقوته وعلمه وخبرته أو كسبه وجهده، بل عليه أن يسندها إلى فضل الله ومنته عليه ولطف الله ورحمته، وأشار إلى أن المتكبر، والغافل، يعزو كل عمل إلى جهده، وعقله، وعلمه، وذكائه، ومؤهلاته، وكده، وقال بن حميد في خطبة الجمعة من المسجد الحرام إن القصص في كتاب الله فيها متعة وتسلية، ولكنها كذلك تقرع بمواعظها القلوب، وتزكي بدروسها النفوس، وترسخ بأحداثها الإيمان، ويبرز في رجالاتها الصراع بين الحق والباطل، وتحدث عن قصة قارون والمسلك القاروني وقال إنها نموذج يتكرر في كل العصور، في كل أجناس البشر، قصة تجسد الموقف من المال وفتنته، وكيفية التصرف فيه، ولفت إلى أن قارون نموذج لصنف من البشر كافرٍ بنعمة الله، موجود مثيله في كل الأعصار والأمصار، بخصائصه وصفاته، يَفتن، ويَستفز، ويُغري، ويكون سبباً لانحراف بعض النفوس، وهو قرين فرعون وهامان، ثلاثة نماذج تحمل صوراً سيئة لأنواع من البغي والفساد، والتسلط والاستكبار.

وأضاف بن حميد: للمال سلطان على النفوس – إن لم يتداركها الله برحمته -، يسوقها في دروب التيه والبعد عن الله، وإذا لم تفطن هذه النفوس لما هي فيه، وما هي مقدمة عليه، وتراجع نفسها، وتراجع أمر الله، فإنها ستهلك إما إفراطاً أو تفريطاً، وبين أن في هذا المسلك القاروني، وأمام فتنة المال، والثروات، والمرابحات، والأرباح، والاستثمار، ثمت طائفتان، واحدة وقفت وقفة المأخوذ المبهور المتهافت، ضعاف النفوس، قصيرو النظر، والثانية أهل العلم، والإيمان، والحكمة، استعلت بإيمانها، وعلقت رجاءها بربها، وأيقنت حسن ثوابه، وعرفت قيمة الإيمان، وهي درجة رفيعة لا يلقاها إلا الصابرون على دواعي المشتهيات، والرغبات، والإغراءات، وقال إمام المسجد الحرام إن من فضل الله على الأمة أن يوجد فيها علماء ناصحون إلى الخير والحق يرشدون، أهل العلم لا يجرفهم مثل هذا الطوفان، فهم أشداء بإيمانهم، أقوياء بيقينهم، عالمون بحقيقة الدنيا، ووظيفة المال، وثواب الآخرة، فلا يغريهم رنين الدرهم والدينار، ولا بريق الذهب والفضة، هم أهل العلم بالله، وبسنن الله وبما وعد.

وحث بن حميد على الإحسان إلى الخلق وأكد أن المال إذا لم يحسن توظيفه فهو وسيلة من أعظم وسائل الفساد والإفساد، من الكسب الحرام، وأكل الحرام، والبغي، والظلم، وبخس الناس، وغمط الحق، وتدين الغني كما يكون بالإنفاق يكون بالإمساك عن توظيف المال في مشروعات الإفساد في الاقتصاد والأخلاق، وأضاف: إن الفكر القاروني يتجدد في كل عصر من الجمع، والكسب، والإنفاق، والبطر، والغفلة، ولدى حضارة اليوم مؤسسات وكيانات كبرى تدير الضغط المادي، وتصنع مكائن الابتزاز المالي، وتنتج فقراً ولهاثاً مسعوراً خلف المال ورجال الأعمال، الا فاتقوا الله – رحمكم الله – وافقهوا وصايا الوحي، واعتبروا بدروس الحياة، ورصيد التاريخ، وعبر الزمان، من قبل ألا يستفيق ذو الغفلة إلا بعد أن ترتطم الرؤوس، واعلموا رحمكم الله أنه ما استدفع البلاء بمثل الاستكانة لله عز وجل، والتضرع إليه وكثرة الاستغفار، واحذروا الغفلة فإن للقلب قسوة، ولقد عاب الله أقواماً بتركهم التضرع – حفظكم الله – وحمى بلادنا، وبلاد المسلمين من كل شر، ونبه إمام البيت الحرام إلى أن الأوبئة والأمراض تظهر ثم تعبر، وتحل ثم ترحل، فابشروا واستبشروا، وتفاءلوا، وتعلقوا بربكم، وخذوا بأسباب الوقاية، والتزموا بالتعليمات والتوجيهات، ومن أكثر الرجوع إلى ربه بكثرة ذكره، أورثه رجوعاً إليه في قلبه، فيبقى إلى الله مفزعه وملاذه، وأكثروا من هذا الذكر: «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» ثلاث مرات، فمن فعل ذلك لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي. رواه أبو داود بسند صحيح.