في تجربة تعد الأولى على مستوى المملكة

مريم الغامدي

في تجربة تعد الأولى من نوعها محلياً عُرضت مسرحية (كينونة) وذلك ضمن ملتقى الباحة الأول للمسرح والذي ينظمه- عن بعد- نادي الباحة الأدبي بقيادة رئيسه الشاعر حسن الزهراني ومتابعة من قبل أعضاء مجلسه ونخبة من الإعلاميين والإعلاميات ، المسرحية من تأليف وتمثيل المسرحي عبدالقادر الغامدي وإخراج الفنان هاشم رضوان.

بدأت الجلسة بكلمة مديرها الكاتب المسرحي ناصر العُمري وهو صاحب هذه الفكرة المتفردة ، والذي أوضح فيها أن المسرح هو ذلك الفضاء الذي حرّض عشاقه على الانخراط في لعبة المسرح والمشاغبة لتجريب خيارتهم الفنية ، واختباراتهم المسرحية ثم الزج بها في مختبر التجريب ومعمل الفنون.
وحول استثمار المواقع الأثرية والتاريخية كالكهوف في المنطقة كشف العُمري على أن الكهوف في منطقة الباحة مكان ساحر ويعتبر المدونة الإنسانية الأولى لعمرٍ طويل كشاهد على الزمن ، وبحسب الفكر الإنساني يرى العٌمري أن مسرح الطبيعة نظام شبه معرفي،ممتد وطويل وتأويلي ، وهو طقس تخيلي، وأسطورة ميثيولوجيا وعوالم من الدهشة.
وختم كلمته العُمري بأن كل هذه المعطيات من أفكار تتعلق بهذا المسرح خلقت مشروعا يأتي بلا أباء ولا يرتهن إلى إرث فني كبير ، وإنما هو محاولة لتجريب خطاب فني مغاير ، تحت إملاءات الرغبة وتآثير الشغف داخل خيمة الفرجة.

وبعد عرض المسرحية والتي أتخذت من أحد كهوف منطقة الباحة موقعاً لتصويرها بإخراج لافت ومونتاج بسيط التفاصيل ، عميق الدلالات ، علّق الكاتب علي السعلي المتحدث الرئيس في هذه الجلسة عبر ورقته النقدية (صورة الشيطان عند ملتن وطه حسين والغامدي )قائلا :

(حين كتب جون ملتون في كتابه الملحمي الفردوس المفقود وكذلك طه حسين في كتابه الشهير على هامش السيرة صورة الشيطان وكيف أنه عند ملتون أغوى آدم وقصة التفاحة ، وكذلك عند طه حسين في هبوط آدم وحواء إلى الأرض في تجسيد روايتك في نادي الشياطين ، تتكر بشكل مكثف عند عبد القادر الغامدي في نص كينونة تناثر مهمة هذا الشيطان عنده في فرعون وغرقه ، في حادثة هابيل وقابيل وقصة الأخدود ..وهذا ما عزز هذا النص أن يحتفل شاعرية في حوار هذا الشاهد على الزمن .
وكم تمنيت على المخرج في نص كينونة أن يحدث مفارقة الزمن بين جيلين عصر حجري وكذلك وعام ٢٠٢٠، وما فيها من أحداث كذلك تمنيت أن يتعامل الممثل مع الكهف من أدواته كالتقاط المشط والمرايا ، وهكذا احداث المفارقة يعزز من قوة الحدث وبنائه.
أخيرا..
نجحت تجربة مسرح الكهوف في نص (كينونة) ، تجربة بدأت من الباحة وانطلقت ، وتمنيت أن يعرض هذا العمل على كل محافظات الباحة ليكون هذا الكهف مزاراً ومعلما من معالمه.)

العمل شهد بعض المداخلات من الحضور عبر تقنية (زوم) بدأت بالدكتور طلال بدوي المخرج التلفزيوني والسينمائي السوري ، والذي أشاد بدوره بالعمل ووصفه بأنه تجربة لطيفة وجميلة متسائلاً : هل يمكن أن يحمل النص المسرحى المعنى الشاعري الذي له ايقاعاً دلالياً ، إذا ما اتفقنا على أن الايقاع أساس الشعر ولكنه غير كافٍ لخلق قصيدة ؟ لافتا إلى إحساس الممثل في هذا العرض العالي والمتنقن.

الكاتب والمخرج المسرحي سامي الزهراني انتقد في البداية عنوان المسرحية الذي أشار فيه إلى أن القائمين على العمل لم يوفقوا فيه ، وتمنى الزهراني لو كان العنوان أكثر غموضاً؛ ليدخل عامل التشويق و شغف الاكتشاف للأحداث لدى المتلقي ، وأضاف : ماشهدناه الليلة هو أقرب للفيلم الوثائقي من المسرح رغم تميز العرض ، وقد كنت أتمنى أن يعود بطل العمل الوحيد إلى الماء ليشرب بعد كل مشهد ومشهد ليوحي للمشاهد بأهمية أصل الحياة الذي هو الماء .
كما تمنى الزهراني لو أن المخرج استطاع أن يتلقط بعدسته الكهف داخليا وخارجيا من عدة زوايا ومسافات ، ليشبع العمل بالتغذية البصرية التي تجعل المسرح أكثر اتساعاً وجمالاً.

من جانبها رأت القاصة حضية خافي التي اختلفت في فكرة الدخول لبداية العرض أن القائمين على العمل لم يوفقوا في ملائمة الزي مع الحقبة الزمنية ، رافضة وجود (القدر) مع نومة البطل الطويلة جدا وتفاوت الزمن العابر ، مختتمة تعليقها بأنها تتوقع لو طورت واضيفت تعديلات آكثر على النص وموقع التصوير سيكون العمل مميز جدا.

المؤلف والمخرج المسرحي المغربي المختار العسري قال أن ماشاهده هو تأطير للواقع الذي نعيشه في ظل جائحة كورونا ، وإلا كان من المفترض أن يكون الحضور أمام هذا الكهف ليتم اللقاء بين الممثل والجمهور لتكتمل عناصر العرض المسرحي ، ونوّه العسري آن العمل هذا جاء في إطار التجريب لمكونات الطبيعة على غرار تجربة المسرح الصحرواي في الإمارات مثلا ، مع ملاحظة دراسة جوانب الشخصية الاجتماعية والنفسية ، وآشاد العسري في مختتم تعليقه بنجاح الممثل في تقمص الشخصية في إطار تجربة فريدة على حد وصفه.

ومن جدة جاء صوت الشاعر ضيف الله بن سليمان ليؤكد على أن المسرح هوية الشعوب الحية والنابضة بالحياة ، وتمنى لو كان العرض مباشرا و حياً ؛ ليكون التواصل متقداً بالإحساس بين المسرح وشخوصه من جهة، وبين الجمهور والمتلقين من جهة أخرى ، مشيدا بالتجربة بشكل عام.

يشار إلى آن هذاالعمل يحمل ثيمة المسرح التاريخي من خلال استدراج بعض القصص الإنسانية المتعالقة بشكل آو بآخر مع حكايا أمم سابقة بدأت بغواية التفاحة وخطيئة القتل الأول في أول الخلق ، مرورا بطوفان نوح ونار ابراهيم وغرق فرعون وانتهاء بالخروج من هذه الدوامة إلى مسرح الطبيعة ، مسرحية كينونة من تصوير ومونتاج أصيل الشدوي ، وقام بتصميم الملابس والاكسسوارات صالح حلسان ، ومكياج محمد هاشم.

الكاتب والممثل عبدالقادر الغامدي :
النص ولد كفكرة في ليلة صيفية الملامح من قبل المؤلف المسرحي ناصر العُمري ، وهو ماتعارف عليه مصطلح (مسرح الكهوف) ، وبصدق لم آكن أرغب في التمثيل نظرا لانقطاعي عن التمثيل لأكثر من 15عاما ، وكان من المفترض أن يكون العمل مباشرا وحيا للجمهور الذي كنا نتمنى تواجده في مسرح الحدث ، أحد كهوف جبل شدا الأعلى بمنطقة الباحة الساحرة ، ولكن بسبب ظروف هذه الجائحة أضطرننا لنكون في أشبه مايكون بالمسرح الافتراضي الذي يخلو من متابعة الجمهور مباشرة.
لا أخفيكم أننا عانينا في هذا العمل بدءا بصعوبة الوصول للكهوف بسبب وعورة الطرق الجبلية ، وقوة الرياح واختلاف الطقس ، ولكني أزعم أننا كفريق عمل قدمنا عملا مميزا ، والمفاجأة أن هذا العرض الذي استمر تصويره لأكثر من أربع ساعات كان عرضاً واحداً كبروفة وتصوير ومونتاج وإخراج.

المخرج هاشم رضوان :
سعيد جدا بهذا الحضور الافتراضي والتفاعل الجميل ، على الرغم من أني كنت أتمنى آن يكون العرض واقعيا بعناصره وجمهور لأحظى بالتفاعل الحي وأشعر بإحساس المتلقي وتصفيقه وتعاطيه مع الأحداث ، وخصوصا بعد هذه التجربة المتميزة التي استطعنا فيها نقل المسرح من قاعات المؤسسات الثقافية المغلقة إلى فضاءات الطبيعة بوديانها وشعابها وجبالها وكهوفها ،في ظل أجواءها الفاتنة .
أما بخصوص لانتقادات فلكل رأيه الذي احترمه وأجله حتى لو اختلفنا معه ، وهذه سمة العمل الفني المثير للتساؤلات والجدل في أغلب التجارب الحديثة.