بقلم.. جواهر الحارثي

ندرك جيدًا أننا نعيش في حقبة زمنية تَعِجُّ بالتنافسية العالمية نحو التميز، فأصبح لزامًا على المجتمعات الحضارية مواكبة هذه المستجدات والتماهي مع متطلباتها حتى تحافظ على بقائها واستدامتها؛
إلا أن التميز أو الميزة التنافسية التي تتوق المجتمعات لتحقيقها، لا تأتي بمعزل عن الجودة الشاملة التي تسبقه بعدة مراحل متكاملة ومتتابعة، للتحقق من سلامة سير الأداء، تعرف تلك المراحل في لغة الجودة بـ “سيرورات الجودة” Quality processes؛ تتضمن مجمل العمليات، والأنشطة، والمهام، والوظائف حتى الحركات اللفظية وغير اللفظية لأفراد أي كيان أو منشأة، وتتسم سيرورات الجودة بالاتصال الفعال بين مراحلها الذي يربط آخر مرحلة فيها بأول مرحلة، عن طريق “التغذية الراجعة” Feedback، ويتم خلال الاتصال السيروري معالجة الأخطاء المحتمل ظهورها في سيرورة المدخلات قبل تحويلها لمخرجات، ذلك لضمان نجاح سيرورة المخرجات من أول مرة وفي كل مرة، بذات لغة الجودة المنشودة؛ ومن ثم لا شك أنه سيتم خفض في الفاقد وإغلاق لفجوات الأداء، الأمر الذي سيحقق لتلك الكيانات أهدافها ويصل بها إلى التميز والريادة بأقل جهد وكلفة؛
تشير تلك المراحل إلى أن سيرورات الجودة داخل أي كيان تعني أن التميز المستدام لا يتحقق في تجويد سيرورة عن الأخرى أو التفريط في تفاصيل أي منها، بل تؤكد على أن التميز كالبُنيان المرصوص الذي لا يمكنه البقاء إلا إذا تماسكت أجزاؤه؛ وكانت لَبِناته ذات جودة عالية، تشد بعضها البعض،
وقياسًا على ذلك فإن تميز المجتمعات الحضارية أو قدرتها على التنافسية العالمية يحتاج أيضًا إلى مزيد من التماسك والتكامل بين كياناتها، للتصدي للتصدعات التي قد تلحق بها أو تُعيق تقدمها.
فالميزة التنافسية ليست ثقافة إعلامية تطرق نوافذ التواصل الاجتماعي بغرض الرأي والرأي الآخر، لاسيما وأننا في وسط فرط في التنافسية العالمية وتضارب في مفاهيمها.
هي ثقافة فكرية تتطلب تأسيس لقواعد التميز من خلال الممارسات والتجارب وصقل المهارات الحياتية، والتركيز على معالجة الانحرافات المعيارية في سيرورة المدخلات أولًا وبشكل مستمر وتكاملي بين كياناتها بحس المسؤولية المجتمعية، فعلى سبيل المثال كيف يمكن للكيان التعليمي أن يقف صامدًا على قمة التميز أمام جُلّ هذه التحديات التي يواجهها بفعل الجائحة العالمية الطارئة “فيروس كورونا المستجد” COVID-19 دون تكامل في الأدوار المشتركة بينه وبين الكيانات الأخرى المكملة لمهمته سواء على المستوى المؤسسي أو المجتمعي.
مسك الختام:
سيرورات الجودة تمثل دور بالغ الأهمية في ضبط تشتت التميز ومعايرته، وفق نظم وقوانين الجودة من منطلقاتها الأصيلة التي لا تنفصل عن القيم والمبادئ الإسلامية،
والأخذ بها لم يعد خيارًا بل أصبح ضرورة أن لم يكن تكليفًا لتستطيع المجتمعات بمختلف ثقافاتها مقاومة التحديات والمتغيرات المتتالية التي فرضت عليها.