بقلم /عبدالرازق سليمان

تعددت الظواهر وتلونت وتباينت أشكالها وتمازجت، حتى اختلفت أشكالها وأزمانها، ولم تعد الظاهرة الواحدة لها شكل واحد، بل أصبح الشكل الخارجي لظاهرة، والصفات الحيوية لظاهرة أخرى، وعواملها الداخلية تمثل لونا جديدا وشكلا مختلفا.

في حدود هذه القراءة يلزم إيجاد مدارس نوعية مختلفة تجيد حبكة القراءة قبل قراءة الحبكة، لتصنع من كل الألوان مزيجا مناسبا يحكي صناعة فكرة وإنشاء مسار جديد تسير من خلاله الكتل البشرية على مختلف صفاتها.

تعرض العالم في الآونة الأخيرة لعدد من الرياح المتضاربة، تبعها تضارب في نتائج أجهزة قياسات الرياح واتجاهها، فوقف الكثير ممن لهم حيز على هذا الكوكب في دهشة وحيرة، فمع شدة العواصف لم يقدر على قراءتها بالشكل الذي يعود عليه بالفائدة.

كورونا أعادت ترتيب كثير من الأوراق، وأصابت في مقتل، ضعف معها بعض من كان في ظاهرة القوة وفي باطنه من قبله الهزال والجوع، فلم يعد بعض العالم.

أيهرب من المرض فيلحقه الجوع والفقر، أم يقاوم المرض ويهلك من يهلك وتنهار بعض النظم الصحية، لينعم بعض الأفراد بطعم المأكولات التي تركها من هلك من المرض.

فوجدوا أنفسهم بين موتين، الموت من المرض أو مصارعة الجوع حتى الموت، وهنا الفرق بين الموتين موعدهما، فربما موت المرض أقل وأسرع، وموت الجوع أكثر وأبطأ، وإن وجد اللقاح بفاعليته إلا أن فترة الفقر في بعض المجتمعات التي سبقت اللقاح أفقدت البعض قدرته على الحصول على اللقاح ..  

إلا أن المدرسة السعودية كانت رائدة في هذا المجال.

ويتابع العالم اليوم حكاية جديدة وضربة قاسية، طبيعية أو ذات طبيعة، فهي تستهدف مقتلا أرهقته كورونا، فضعف احتماله، وقلت قدرته، وزاد ترهله، فهل تقدر اقتصادات العالم على مواجهة توقف نسبة كبيرة من التجارة العالمية جراء تعطل جريان قناة السويس بسبب السفينة الثاوية في قارعة الطريق.

تداعيتها مستمرة وخسائرها تتفاقم، وأثرها على الكثير إن لم يكن كل بلدان العالم واقتصاداتها، التي تعد لبقاء المجتمعات كالأكسجين لبقاء الأجساد تتحرك وتعمل بصورتها الطبيعية. 

يعود بنا الموقف للمدرسة السعودية السياسية ولتلك المقولة التي كررها سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي مرارا، لا نريد البقاء على مصدر دخل واحد، أيا كان هذا المصدر، فإذا كان المصب الاقتصادي والمنفذ الذي يدخل منه المال وحيدا سيتوقف إن حدث طاريء له، وستتوقف معه كل جوانب الحياة، وفي حين توفرت مصاب مختلفة للاقتصاد، ومنافذ متعددة، فإن ضعف أحدها تقوى بما يرد إليه من الطريق الآخر.

المجتمعات بحاجة إلى تقسيم اقتصاداتها وأساليب معيشتها إلى أساسي وغير أساسي، فالأساسي الذي لا تقوم حياة بدونه، ويحسن هنا الوصول إلى الاكتفاء الذاتي على الأقل في المكون الأساسي للحياة مثل المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية، لاستمرار الحياة البشرية مع أقوى الجوائح والمعرقلات والصعوبات، سواء صعب الوصول أو تعذر، فصعوبة الوصول تعني ارتفاع الأسعار وفي حال الاكتفاء الذاتي يقل التأثر ويتضاءل.

وفي حال انعدام الوصول تستمر البشرية بما لديها من مقدرات ذاتيه تكفيها عن الحاجة لغيرها ولو لبرهة من الزمن. 

رؤية المدرسة السعودية السياسية تنعم بجدة أفكارها وطرافة أساليبها، وتنويع مصادرها الاقتصادية، لتبقى في زمن تهالك فيه البعض، وتصمد في وقت يتساقط فيه آخرون.