بقلم /أ. نايف الهذلي

بداية الأمر .. أنت خاسر.

مذ أن هبطت من الجنان من الخلود،

وأقمت بالأرض المليئة بالخطايا، 

ترتجي يوما تعود.

تلك هي بداية الخسائر المتعاقبة على بني آدم، الهبوط من الخلد إلى دار الفناء.

تعاقبت الحقب وبنى الإنسان وأحيا الأرض وما عادت تضنيه الخسارات بعد خسارته الأولى التي أكسبته مناعةً للصمود على هذه الأرض، كل من يظن أنه تعرض لخسارة ما في هذه الدار، ووجد في نفسه قهرا وضيما، لم يستوعب أو بالأصح لم يؤمن بالخسارة الأولى والنكبة البكر في معركة أبية مع إبليس، فتجده أقام هذه الدنيا مقام الجنة، وأقام الفناء مقام الخلود، وفقد بهذا مناعته المكتسبة من خسارته الأولى، فهو لم يستوعب أنه غريبٌ طريدٌ على هذه الأرض إلى ما شاء الله أن يعود إلى وطنه، وكما قال ابن القيم رحمه الله:

وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها               

ولم يك فيها منزل لك يعلم

فحي على جنات عدن فإنها                   

منازلنا الأولى وفيها المخيم

ولكننا سبي العدو فهل ترى                   

نعود إلى أوطاننا ونسلم

*الخسائر المتتالية وثورة المقاومة حتى الوصول.

تتدرج بنا الحياة الدنيا بعد استفرادها بنا، وتحاول جاهدة أن تلحق بنا شيئا من الخسارة الأم معنويا ذلك أو حسيا، فتارة تكون في الذات، وتارة في الأهل والولد،

وتارة في الصديق القريب، وهكذا دواليك نوائب تترى، والحصيف الفطن من عرف مآله وأنه لا أسف على ما سيزول.

وفي نص الشارع مقاصد تروي ظمأ العطشان وتهدي عقل الحيران في تدرج سهل يقيه هول الخسارات ويقدم الأولويات فكما قيل:

حنانيك بعض الشر أهون من بعض.

فحفظ الدين يؤدي إلى حفظ النفس وحفظ النفس يؤدي إلى حفظ العقل وحفظ العقل يؤدي لحفظ العرض وحفظ العرض يؤدي لحفظ المال وهكذا ترتيبا يفي للإنسان ويكفل له حياةً لا أقول بدون خسارات ولكن أقل ضررا ولنكسب معركة الخلود الأخير في دار الرضوان.

*حاول لم يبق إلا القليل.

ها نحن يا صديقي نحاول ترميم هذه الحياة حتى ننهض ونعود لدارنا الأم،

نحدق بأنفسنا ونصنع المستحيل حتى لا نخسر ذوينا وقومنا وها هي الأيام تُغير علينا تارة وتمهلنا أخرى فيظهر لنا المقنع الكندي ويضعنا على أساس متين يبين لنا كيف نتجنب خسارة الدم والرحم ومن ذلك قوله:

وإن الذي بيني وبين بني أبي                   

وبين بني عمي لمختلف جدا

فإن يأكلوا لحمي وفرت لحومهم               

وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم                   

وليس كبير القوم من يحمل الحقدا

لهم جل مالي إن تتابع لي غنى                 

وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا

وكأنه يقول لا أكفل لكم حياة بدون تجاوزات، ولا بقاءً بدون معاناة، بعد ذلك ستجد أنك تجنبت الخسارة الكبرى ونجوت.

ولا تثريب لأن تحتال لحفظ الود وبقية العهد كما أشار عليك بشار بن برد في قوله:

إذا كنت في كل الأمور معاتبا                

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحدا أو صل أخاك فإنه                

مقارف ذنب مرة ومجانبه

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى          

ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

فها هو يجنبنا الرزية والبلاء وكدر النفس، ويهدينا الطريقة المثلى لعيش هانئ وعبور بسلام هادئ، لا يشوبه فقد ولا تودي به خسارة.

أخيرا وليس آخرا،

كل الرزايا تهون ما استطعت التجاوز، وكل البؤس يزول عند وضع أول قدم بدارنا الأم، فحبذا همة متقدة وعمل صالح.

مذ أن هبطت من الجنان من الخلود

ها أنت تدعوا دائما، يا رب أرجو أن أعود.