د. سعود بن سعيد المتحمي

حينما تتحدث عن هذا الوطن، تشعر برحابة الكلمات واتساع الفكر، حتى لكأنك تغرف من بحر، فأينما وليت وجهك وجدت رجالاً أفذاذاً وقيمًا نبيلة، وعطاءً وتضحياتٍ قلّ أن تجدها في غير هذا الوطن الفسيح الأرجاء، العامر بالشرفاء والوجهاء والنبلاء، كما يتملكك الفخر والاعتزاز حينما يكون وطنك بحجم المملكة العربية السعودية، هذا الوطن المعتز بدينه وقيمه، الغني بخيراته، الشامخ برجالاته السامق بعطاءاته، وطن تشْرف به كل نفس نشأت بين سهوله وجباله، واقتاتت من خيراته، وشربت من مائه وتنفست من هوائه ودرجت تحت سمائه.

نحتفل في هذه الأيام بالذكرى التاسعة والثمانين لليوم الوطني السعودي، التي تتزامن معها الذكرى العشرون لمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهبة والإبداع، تلك المؤسسة التي ارتبط اسمها بمؤسس الدولة الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه-، ذلك الفارس الهمام الذي لم يستسلم للظروف الصعبة الحالكة التي أحاطت به وهو في ريعان شبابه، لم تقف له عزيمة ولم تتوانَ له همّة حتى وحّد المملكة العربية السعودية، ولمّ شتاتها وألّف بين قبائلها، وأخذت نهضتها تتقدم في ثبات، إلى أن أصبح لبلادنا ثقل استراتيجي مهم بين دول العالم، وأشرقت نهضتها تضيء كل الدروب، وكأني بالمتنبي يقف أمامه، ويردد قوله:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكريم المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم

ويردد الشطر الأخير رافعاً نظره إلى الملك الفارس القائد، وتصغر في عين العظيم العظائم!

وتظلّ سيرة البطل نبراساً لأبنائه الملوك من بعده؛ سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله تعالى وأسكنهم فسيح جنانه-، ومن بعدهم ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله وسدد خطاه-، ساروا على نفس النهج، منطلقين من دستور هذه البلاد الكتاب والسنة، مذللين كل العقبات لتظل بلادنا شامخة، فتحوّلت الآكام قصوراً شامخات، واستحالت الكثبان رياضاً يانعات ودوحات وارفات.

إنها همّة المؤسس الملهمة لكل من قرأ سيرته، وتعرف على إنجازاته المبدعة وحنكته القيادية، وكان هذا الإلهام دافعاً لأن يقوم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمه الله- بإصدار قرار بتأسيس مؤسسة راعية للموهبة والإبداع بهذا الوطن، مرتبطة باسم المؤسس، وتتبع مؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الإنسانية العالمية، وذلك في الذكرى المئوية لفتح الرياض، الذي يعد بداية سيرة إنجازات القائد المؤسس لهذا الوطن العظيم، ومن ذلك الوقت انطلقت مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة” للاستثمار في رجالات هذا الوطن ونسائه.

نحتفل هذه الأيام بهذه الذكرى السنوية التي تهلّ علينا سنوياً لنتذكر فيها نعم الله سبحانه وتعالى علينا، والتضحيات العظيمة التي قام بها قادة هذا الوطن وآباؤنا وأجدادنا، لنصل ببلادنا لهذه المكانة الدولية العظمية، ونتطلع لمستقبل باهر في ظل رؤية مستقبلية لوطن طموح بمجتمع حيوي واقتصاد مزدهر.. إنها رؤية رسمها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ابناً لملك الحزم والعزم، حفيداً لذلك المؤسس الذي دانت له المساحات، وستدين لحفيده -بإذن الله- المسافات؛ ليصبح بلدنا وفق الرؤية بلداً متقدماً يعجّ بالنهضة ويحفل بالحضارة، وعجلة التقدم لا تقف ونحن نسابق الزمن مع قيادتنا ومع ولي العهد حتى يعانق طموحنا السماء.

تأتي الذكرى السنوية العشرون لمؤسسة “موهبة” متزامنة مع اليوم الوطني السعودي لتقدم “موهبة” رجالاً ونساءً، يزيد عددهم على المائة ألف موهوب في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، تم تنمية مواهب أكثر من 60 ألفاً منهم، من خلال برامج إثرائية عقدت من قبل أفضل الخبراء المحليين والدوليين، وفي أفضل الجامعات والمدارس ومراكز البحث المحلية والدولية، مما نتج عنه تحقيق أكثر من 400 جائزة دولية مميزة في منافسات عديدة مع طلاب المدارس من حول العالم، بالإضافة إلى حصد جائزة خادم الحرمين الشريفين للمخترعين والمبتكرين لأكثر من مرة، إنه وطن “موهبة” الذي يعتبر قوى ناعمة ترفع اسم الوطن عالياً في المحافل الدولية والمحلية.

وتؤكد “موهبة” في هذا اليوم الوطني، التزمها أمام الوطن بالاستمرار في نهج المؤسس صاحب الهمّة -رحمه الله-، تلك الهمّة التي أوصلت بلادنا للقمّة، ولن يدخر رجال مؤسسة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، جهداً في بذل الغالي والنفيس لهذا الوطن المعطاء، متوحدين خلف قيادتهم، فاليوم الوطني 89 عنوانه الهمّة حتى نبلغ القمّة.

حفظ الله بلادنا، وسخّر لها كل الطاقات؛ لتصل إلى أهدافها، محققة كل الإنجازات، وحفظ الله ولاة أمرنا، وأمدهم بعون من عنده وأصلح لهم البطانة، ونصر الله جنودنا الأبطال الذين يقارعون أعداء الأمة غير آبهين بأعدائهم، ونحن وإياهم فداء للدين ثم المليك والوطن.

الأمين العام لمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والابداع.
د.سعود بن سعيد المتحمي