بقلم... حَمديا أحمد

_غيابك الطارئ_ له أوجه كثيرة
قد يظهر لك أن لا مدى في أهمية وجودك الآن ..
لكنه حقًا يعنيني ..

‏هل كان يكفي أن يكون قلقي سببًا
‏أن يكون ذلك الصمت الذي امتد بيننا سببًا
‏أن يكون الليل الذي قضيته وحيدًا سببًا
‏لأن يعطي إشارةً واضحة لوداعٍ جديد..

صديقتي أيضًا في مرحلةٍ ما
قبل أن تذهب أعطتني إشارات واضحة لرحيلها المفاجئ
كنت أقل بعدًا من أن أفهمها بسهولة،
كلفني الأمر عمرًا حتى أغوص في سراديب أسرارها
وعمق وجودها
وحينما غادرتني، غادرتني بحذرّ.. مثل المياه الراكدة التي لا تعطي أي ردة فعل تجاه موجة بسيطة عبرتها!
أتذكره كأنه اليوم..
عندما تغيبت صديقتي عن المدرسة اسبوعًا كاملًا
بسبب إصابتها بوعكة صحية لم أكن أدرك حينها
أن ذلك نتاج لأشياء أخرى قد تسبب مضاعفات كثيرة..
كرسيها و طاولتها بجانبي في الصف منذ غيابها أصبحت فارغة ومعلمتي تعاني من فوبيا الأماكن الفارغة
كلما نظرت إليّ ..
تقرر بشكل يومي تبديل أماكن الطالبات
لملأ الفراغ و الكرسي الناقص!
بالنسبة لي كان فارغًا لم أستطع أن أألف الجميع عداها، فكانت تسير معي أينما ذهبت،
بعد أسبوع جاءت إلى منزلي
لتأخذ مني بعض الكتب!
فقد تراكمت الواجبات والاختبارات
وعندما جاءت، لم تكن تحتضر ولم يبدو عليها شكل الذي سيموت
بل كانت في صحة جيدة جدًا
عندما تم مناداتي لأخرج لها ذهبت مسرعة
احتضنتها فقد اشتقت إليها
وضحكت فقد سعدت بوجودها
أردت أن أريها كل شيء دفعة واحدة
وكان هذا حقها الصغير مني في إسعادها!
كانت تشاركني كل الأشياء حتى خارج نطاق المدرسة
في ذلك اليوم فقط وهي تأخذ الكتب
أعطتني خمس دقائق من حياتها
فهي لم تطلّ على غير العادة
كانت هادئة وفي عجلة من أمرها!
كنت أظن أن الراحلين يلتقون فقط ليبرروا سبب غيابهم
لكننا على أمل أن نلتقي في صباح اليوم التالي
جهزت لها هدية بسيطة بمناسبة عودتها..
وبعد ساعة واحدة فقط
من رحيلها تم مناداتي مرة أخرى
ظننت أنها عادت من جديد أخذتُ الهدية
وركضت مسرعة!
إلا وتم إعلان خبر وفاتها
كنت ألهث لا من شدة الركض بل من شدة الفجيعة
لم يكن هناك مجال لأخذ نفس صحيح في طريقه
ركضت بعشوائية و حتى الآن أشعر بأنني لم أصِل بعد..
فبدا الأمر وكأنني كمن سيبكي في أي لحظة!
لم أستطع أن أذهب إليها أو أن أراها مستلقية
من غير أن تنظرّ إليّ
ذهب الجميع .. لحضور مراسم الدفن
و أما أنا استمريت في البكاء بشكل
أخرّس وصامت! مثل رحيلها
كنت أملك الشعور في أن أغضب
ولكنني لم أستطع
للحظة ما شعرت بالنفاذ بالجمود بالعدم!
تلك الروح كانت الروح الوحيدة التي آلفتها ..

كنت وحدي خائفةً من أن لا نتجاوزه ..أنا وقلبي..
وأن يتجاوز كل الذي بيننا و نألفه
-نستصيغه -نتقبله
كما لو أن رحيلها هو كل الذي كان بيننا، أظن أنه حينها كان يعرفنا أو يحاول أن يعرفنا
-لا أدري_

ولكن منذ ذلك اليوم و أنا أحمل أنصاف الأشياء
نصف وجود نصف كتاب و نصف قلم ونصف طالب و كرسي واحد في الصف
و الكثير من الغيابات الطارئة..
و كلما نادوني أتردد ساعة كاملة قبل أن أجيب!
دفعت ثمن اندفاعي وتهذبت
وعلمت بعدها أن كل ستين دقيقة هي ساعة واحدة كاملة وقد تكون خمس دقائق كافية
لرحيل مفاجئ!
و أن كل ضحكة مني هي تذكرة لشراء غياب جديد
أو رحيل أبدي

منذ ذلك اليوم!
و أنا أبحث عن صوتي الحقيقي، ذلك الذي كلما سمعته، عددت أسباب وجوده!
تميزه من بين الآلاف
مضت الأيام بل و تسارعت وكأنها هي فقط من يجوز لها الاندفاع في الحقيقة!

مرت التجارب و انقضت المصائب و حلّ الفرج
و لم أعلم أن هناك عبرةً تنتظرني من قبل بدء الحادثة….

‏لا أحد يعلم أكثر مني كم أنني الآن أملك
‏أصدقاء رائعين ..لم أتركهم
‏ ولم أكنّ بمفردي؛ لكنني منذ ذلك اليوم
فقدت أشياء كثيرة
أبقتني بشكلٍ جماعي، وحيد..