بقلم .أ. علي الجبيلي

كانت ليلة مهيبة فلم تصل قناعاتي الي ان شخصي يستحق تكريما خاصا بهذا الحجم وبموافقة ورعاية شخصية من
سمو والدنا أمير المنطقه..
للتو عدت لمنزلي مع أذان المغرب بعد يوم عملي منهك…
جاءني صديق العمر د. علي محمد عواجي واستحثني على التعجيل ..فطلبت منه غفوة سريعه اجدد بها نشاطي…فقال مخرج الحفل علي الحمزي والزملاء يستحثوك فأنت تتأخر عن مواعيد كل المناسبات والليله ليلتك…والناس قد بدأو بالتوافد…
مرطت عبارته (صبره) كمايقال…
لفلفت اشيائي الخاصة ولم انسى الوخز بإبرة الإنسولين حتى لا تباغتني افعال السكر المشينه في ليلة الإحتفاء وامسي ذاهبا وراجعا !!..ولم أذق غير شربة ماء يومي كله….فعمل في الحلو عمله..
-في الحفل جاء دور كلمتي ..وقد جف حلقي وزاغت عيناي واحترت بين الإرتجال حديثا او القراءة من ورقه وهو شئ لا اجيده كثيرا..خاصة ان نظارتي ليست للقراءه
ركزت في نظراتي على وجوه الحضور الكرام المهيب وقد جاءو من كل حدب وصوب للحضور والمشاركه…
تسمرت عيناي على شخصيتين على وجه الخصوص لم أستطع تجاوزهما على الرغم من مكانة ومهابة كل حضرو في نفسي. .
كان الأديب الكبير حجاب الحازمي بكل القابه العاليه التي استحقها..
وكان استاذي القدير علي النجمي بكل الأوصاف والصفات الشخصية الرفيعه التي حققها في قلوب محبيه..من ضمن الحضور
سبحان الله العظيم من بين كل هؤلاء الأجلاء كأني لا أرى سواه…
تذكرته وهو يحمل بعض الكتب في اروقة المعهد العلمي بصامطه يدلف من فصل الي فصل بكل همة وعزيمه دون كلل او تأخير..
قال طيحت زميلك عوكل ( رحمه الله تعالى) في الفصل وأخاف انه قد تعور…قالها لي باسما أكثر منها معاتبه..
فقلت انا حتى اعطي فقط جوابا لسؤال استنكاري صيغ بأجمل عقود الأدب والإنسانيه…من رجل رفيع المقام والتربيه..
يستاهل يا استاذ هو اذا سجلت فيه قول في الملعب يطيحني..؟!!
ضحك ضحكة عاليه ورفع رأسه للأعلى وهو يضرب بدفتر في يده اليمنى على اليسرى ووضع يده على فمه لكي لايسمع أحد هذه الضحكه وقال بلغة ابويه
طيب خلاص روح يابني فصلك…!!
وفي موقف آخر يسمع شيخنا الوالد حسين أحمد النجمي يرحمه الله يقول في مكتبه بالإدارة مرحبا بإبننا المطوع _ وهذه تسمية اطلقها علينا الشيخ لها سبب طريف ليس هنا مجال ذكرها…!!
فقال اباحسين انعم وأكرم بالشيخ علي…يقصدني فوافقه الشيخ حسين بإشارة من رأسه على هذه التزكيه
فكانت هذه العبارات زادي في اليوم كله سعادة وانشراحا
وفي الحفل كان حاضرا شيخنا علي …بجانب رفيق العمر الوفي ابا علي
فكان حضوره لي يختصر كل مراحل العمر لأكثر من ٣٥حينها ليضعني في سنوات معهد صامطة الذهبيه التي كان فقيدنا الراحل أحد رموزها العظماء…
وذات صباح قريب جاءتني موظفة الخدمة الإجتماعيه في مستشفى الحياة بجازان وانا رقيد الفراش الأبيض لتقول ياعم.. ياعم ( لقداك ضيوف) فقلت الله يحييهم …يتفضلون
وكم كانت دهشتي وسروري ان يكون الزائرين شخصيين لا أود رؤيتهما الا معا..
كان الشيخ محمد دوم راعي الوفاء الذي لا يلحق…
وكان وراءه وبمثابة المفاجأه شخص تبتهج به النفس وتنشرح الأسارير لرؤيته استاذي علي بن محمد النجمي..هكذا إذا أراد حبيبنا ابا علي أن تكون المفاجأه..
استقبلته بسعادة غامرة…ووالله انه الشخص الوحيد ممن زاروني أثناء مرضي وتمنيت ان التقط صورة بجانبه..اختلاجات لا حد لها ..؟!!
هل لأنه أستاذي..هل لأننا نوده ونحبه ؟!!
إذا فكثيرون في هذا المقام
بل انها كاريزما الصدق والبساطه التي تميز هذه الشخصية
رحبت به مرارا وأعتذرت له انني اطلت الحديث معه في مناسبة عزاء مؤخرا رغم ظروفه الصحيه…فقال لا عليك بالعكس انا كنت فاقد الحديث معك من زمان..
احزنني كثيرا تأثر حباله الصوتيه من المرض..وكنت اتحاشى الإطالة معه في بعض المواضيع
ولكن طيبة الرجل وتبسطه تغريك في التوسع معه إستئناسا وراحة نفسيه…
حاولت الإحتفاء بمقدمه مع ابو علي بكل السبل ولكن كانت مساحة الضيافة والحركة محدوده لظرف المكان الذي نحن فيه…
تأملت في احب شئ عندي يمكن أن أقدمه فتذكرت الطيب القاسم المشترك الذي نحبه مع زائريا الكريمين
للتو علبة فاخرة من الأطياب قدمها هدية احد اصدقاءنا من الطيارين الأشاوس الذي جائني زائرا ومودعا لإنتهاء فترة تكليفه بالحد الجنوبي
فتسللت الي العلبة زاحفا على فراشي وانطلقت اعطر بها اعز الناس على نفسي…
اتذكر انني قد طيبته على راحة كفيه ثم في غترته ثم في لحيته
وأقبلت على هامته أقبله والثم كفه الأيمن وتحالفنا الا أن يرد الشئ نفسه من التحية فاصررت أنا الا يفعل ذلك فتعانقنا سبحان الله العظيم في لحظة مهيبه وكأنها لحظة وداع مؤثره…
قال قبل ان يغادر غيرت رقم جوالك ياشيخ علي…؟!!
فقلت له لا لم أغيره هذا الجوال باقي نفس الرقم…
رقمي باقي معك..؟!! قلت له بالتأكيد شيخ علي!!
فقال بالله خلنا نتواصل ونطمئن على بعض..عمليتي الأسبوع القادم…
فقلت له انشاء الله..ودعوت له.
وجلست احسب الأيام حتى عرفت بموعد تنويمه واجراء العمليه
متواصلا مع بعض ابناءه وعبر هذا القروب المبارك..وقبل وفاته يرحمه الله بيومين اصبت بكآبة عجيبه وأنا احاول التواصل مع ابناءه للسؤال عنه قلا استطيع…
وكان يوم وفاته من اصعب الأيام فعجزت عن مهاتفة ا. محمد دوم او محمد او حسينا….فكنت ادعو له بالتوفيق وان يمن الله عليه بالعافيه ..
وكانت قدرة الله ومشيئته في خلقه
( كل نفس ذائقة الموت )
غادر شيخنا واستاذنا العلم علي محمد النجمي ولم تغادرنا طيبته وضحكته وابتسامته وروحه السمحة مع الناس…
رجل لو أردت ان تقول لزميلة نكتة في حضرته او له مباشرة لما استطعت هيبة وحياءا منه بالرغم من طيبة نفسه
فهذا الرجل رحيله ليس فقدا فحسب علينا
وانما فقدا لعلمه ومكانته بين الناس وما كان يقوم به من مبادرات اجتماعية اصلاحية وخيريه أكسبته محبة الجميع من عرفه او لم يعرفه وسمع عنه
وكان الرجل من أحب وأعز من نتحدث عنه من مشايخنا ويعلم الله كم أن والدي وأخي يحي وأقاربي حينما نستعرض اخبار المجتمع او نتذاكر أحدا كان الشيخ علي النجمي من أكثر من نذكر ويثنى عليه بالخير
واظن ان العزاء لم يكن فحسب لأبناءه وأسرته وقبيلته بل الجميع شارك في تقبل العزاء بالفقيد يرحمه الله فهو فقيد مجتمع ووطن وطلبة علم…
وبقدر المواساة لأبناءه وذويه..
بقدر ماأثني عاليا على صاحب الهمة والمبادرات رفيق عمر الفقيد وعضيده في هذه الحياه الأستاذ الوجيه محمد بن يحي دوم المدخلي
وأقول له إن كان في الوفاء عنوان فأنت عنوان الوفاء النبيل مع ابا “حسين” الذي نعلم مدى الألم والكلم الكبير الذي تركه فراق أعز اخوانك واصدقاءك بعد رحيله
ولكن هذه هي الدنيا وكم بعد الرحيل رحيل..
_حقا ليس الرحيل فقدا فحسب !!!