بقلم /مريم الغزواني

كَانَ يَشعرُ بُوخَز واعتبرتهُ فِي تلكـَ اللحَظة كأي مَرَّة عاديا لَم يَخْطُر بِالْبَال أَيْ شَيْءٍ آخَرُ فَظَاهرهُ يُحْمَل رَوْحٌ الْأَمَل وَالْفَرَح وَكَانَ ذَلِكَ عَكْسُ بَاطِنِهِ الَّذِي يُشْعِرهُ بِالْآلَم وَالْوَجَع ثُمَّ ذَهَبَ لِأَخْذ مَسْكَن وَلَكِن أَثْنَاء وُصُولِه لَمْ يَتَمالَكْ نَفْسَهُ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ رَغِم مُقَاوَمَتِه لَه
فَكَانَتْ تِلْكَـ اللَّيْلَة مُخْتَلِفَةٌ تَمَاما عَن اللَّيَالِي الْفَائِتَة
فَقَد بَدَأ حِينِهَا القَلَقُ وَالْهَمّ وَالضَّعْفُ لِوَاقِعٌ ماحدثَ فَحِينَمَا عَمِل الطَّبِيب جَمِيع الإجْرَاءات عَمِل علَى تَحْوِيل عَاجِل لِمستشفى آخَرَ لِأَنَّ الْوَضْعَ أَصْعَبُ مِمَّا توقعناه وَحِينَمَا نُقَل أُدخَل بِشَكْل عَاجِل لِلْعِنَايَة المُركزة بِكَامِل الأَجْهِزَة بِشَكْل عَاجِل لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِتِلْكَـ السُّهُولَة لِأَنّه حِينَمَا أُدْخَل لِتِلْك الغُرْفَة أعلمُ جيدا بإنَ الْوَضْع حَرَجا (بِحسب حالتِه وَالْفَحْص الَّذِي سَبَقَ إجراؤه)
وَلَكِن حِينَمَا أَطَلّ الصَّبَّاح تباشرتُ خَيْرا ثُمَّ جَاءَ الْمَسَاءُ وَكَان أَرْوَعَ مَسَاءَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةَ الَّتِي كَانَتْ بِنظري جِدا صَعْبَة فَحِينَمَا أَجْرِيَتُ مُكَالَمَة عَبَّر الْهَاتِف أَتَذْكُر مَضْمُونَهَا وَصَوْتُه مَا زَال يرنُ فِي مسمعي (أنَا بِخير) هُنَا وَجَدْتُ نَفْسِي كأي شَخْصٌ اِسْتَبْشَر بِقُدُوم شَيْءٌ يُحِبّهُ وَيُنْصِتُ إلَيْه وكأنني لأَوَّلِ مَرَّةٍ أَسْمَعُ لِصَوْتِه وَمِمَّا زَادَ الْأَمْرُ بَهْجَة وَفَرحا كَلَِّمْتهُ حِينَمَا قَالَ أَنَا بِخَيْر…
فَكَان الْفَرَح أَعْمَق وَأَشَدُّ مِنْ وَجَعٍ وَمَرَارَة تِلْكَـ اللَّيْلَةِ ثُمَّ بَدَأَت أفكاري وخِططي تُسْطَر بِداخلي كلِمات كبيرة عَلَى أَمَلِ الْعَوْدَة سَوْف اعْمَل وَاعْمَل و لَن اجْعَلْه يَتْعَب ولَن اجْعَلْه يَتَأَلَّم كَذَلِكـ الْعَمَلِ لَيْسَ مُهْمَا رَاحَتَهُ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَماني كَثيرة وأحلام كبيرة . . . . ! !
(يا جمالُها من كَلمات وَكَم كُنْتُ أَتَمَنى لو عادَ مَرَّةً أُخْرَى)!!
حِينِهَا كَأَنِّي أَحْدَثَه أَمَامِي مِن الْفَرْحَة التِي عَمت أَرجاء الرُوح
وَلَكِنْ لَمْ يَمْكُثْ مَعَنَا ذَلِكَ الْيَوْمِ السَّعِيد طَوِيلًا فَسُرْعَان ما ذهبَ لِيَحِلّ مَكَانَهُ الْحُزْن أُعِيدَت إِليه تِلْكَ الأَجْهِزَة بِالشَّكْل الْكَامِل
ثُمَّ حَضَرَتُ فيما بعد حَتَّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَزَمْتُ على رؤيتِه حَتَّى لَوْ مِنْ تِلْكَ النَّافِذَةِ لِكي أُطْفِئ لَهَيْب ما بِداخلي ثُمّ اسْتَطَعْت الدُّخُول بِشَكْل مُبَاشِرٌ وَأَمْسَكْتُ بِيَدِه فَقَبِلْتُهَا كاتمةُ على أنفاسِي حَتَّى لَا أَشْعَرَهُ بأنني حَزِينَةٌ فيحزن لِي لا أُريدهُ يُشْعِر بقلقي وَهْمِيٌّ عَلَيْه وَوَاللَّه حِينِهَا أَن بِعَيْنِي أَلْف دَمْعُه وبخلاجات صَدْرِي جُرْوح لـ ألمه ولكن………!!!! (إِن الأَمرَ كُلهُ لِله)
فَعِنْدَمَا نَظَرْتُ إلَى قَدَمَيْه قُلْتُ لِمَاذَا هَكَذَا . . . لِمَاذَا وَضَعُوه هَكَذَا لِمَاذَا كُلُّ هَذِهِ الأَجْهِزَة لا أعلم هَلْ هُوَ تَجَاهَل مَنِيٍّ أَمْ حَقِيقَةً لِمَا رَأَيْت وَخَوْفًا عَلَيْهِ أم كلام وعِلل لِشدةَ ذُهُولِي. . . . إلَخ
فَقُلْتُ بداخِلي سوفَ أبلغهم بِالرفع عنه بَعضا مِنها لِأَنِّي ظننتُ بِأَنِّي سَوْف أُخَفِّف ألَمَه لَمْ أَعْلَمْ أنَّنِي سأزيدهُ أَلَما لَم أَسْتَطِع أَنْ احْتَمَلَ هَيْبَة الْأَمْرِ فَكُلّ ما وضِع لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ الَّذِي أنْهَكَه فَجأهَ . . .
ثُمَّ مَاذَا حَصَلَ هَلْ مَكَثَ عَلَى وَضْعِهِ أَم صَار لِلْأَفْضَل؟؟؟
هُنَا قد يكونُ سَكْبٌ دُموعِي وَفَيْض مشاعري لِذَلِكَـ الْيَوْمِ الَّذِي اُبلغنا فِيه بِخَبَر وَفَاتِه فِي تِلْكَـ السَّاعَةِ المُدونة بِالدقيقة والثَانيةَ فَذَلكَ الوقَت يشعُرني بِمَرَارَة مَا مَرَّ بِهِ وبِلمح الْبَصَر كَانَ كُلٌّ ذَلِكَ

مِنْ هُنَا أَوَدّ أَنْ أَقُولَ أَبِي لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَحَسْب فَقَدْ كَانَ كُلٌّ شَيِّ بحياتي اتفاخرُ بِه وبِروحِه الْعَظِيمَةِ الَّتِي مَا زِلْتُ اتباهى بِهَا رُغمَ ما مرَ مِن سَنَوَات لِوَفَاتِه وستظلُ كَما كُنتَ بتلكَـ الشخصيةُ القويةُ والنفس الراضية واليَد المِعطاءة والرُوح الجمِيلة التي تنثرُ جمالها بالحُب والعطاء والقَناعة..

“رسالة” (رِفـقـا بـِآبـائِـكُـمْ)
اللهم ارحم أبي رحمةً تسعُ السماوات والأرض و اجعل قَبرهُ في نُور دائم لا ينَقطع واجعلهُ فِي جنتكـ آمنا مُطمئنا…