بقلم /أ_رابعة شعبي

حياة بين المتزوجين متوسط ‏عدد سنواتها 30 سنة على الأقرب يقضيانها في بيت الزوجية عروسين فأبوين وانشغال بالتربية والعمل وحياة ممتلئة بتشعب المسؤوليات وبناء المستقبل وتمر السنوات سريعًا ليفاجآن بولدهما فلان يبحث عن زوجة أو يطرق أبوابهم من يطلب الزواج ببنتهم وينفرط العقد ذاهبين لحياة وبيوت جديدة لايأتون إلا ضيوف مسرعين قد انتزعوا وقتًا من حياتهم الصاخبة لزيارة البيت الكبير . ليعود الزوجان ومؤسسان هذا الكيان الكبير كما كانا في بيتهم الهادئ…..

 وتأتي مرحلة الرحمة التي ذكرها الله تعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ﴾ 

[ سورة الروم: 21]  

وهذه الرحمة ليست من فراغ بل الرصيد الذي أتحدث عنه في هذه السطور فهي:- الشفقة والتقدير والحب البحث عما يريح الآخر بكل التفاصيل والفضل الذي أوصى الله تعالى بحفظه.

هذا الرصيد الذي يحتاجه كل منهما في مرضه وفي وحدته وحين انشغال الأهل والأحباب بدنياهم.

لكن هناك مشاهد تتكرر في مجتمعنا وقصص تروى وحكايات تُدمي القلوب لا محل للرحمة بها.

فهذه الزوجة تطلب الطلاق بعد الستين من العمر لتحمل وهي جدة لقب مطلقة. ودعوى خلع بعد 30 أو 40 سنة وتبرير معلن (خلعتُه لأرتاح من لسانه وأذاه)

وذاك الأب يموت وحيدًا وذاك يفضل العيش بعيدًا . .……

كل هذا أهون من الجبروت والقسوة من الزوجة والأبناء على أب يتألم ويتأوه من أمراض مزمنة وعجز وهو في أسرته بعيد ووحيد وهم يعيشون حياتهم بكامل البهجة احتفالاتهم قائمة. وزواجاتهم بأقصى ألقها. قد امتلأت مآدبهم بألذ وأشهى النِعم دون أن يتحرك لهم ضمير تجاه شيخ كبير أحاطه وأقعده المرض ولا يكلفون أنفسهم حتى بسؤال ماذا عسانا أن نقدم لنخفف عنه؟ 

واجبات تؤدى بجفاف موعد مشفى، شرح لأدوية ثم المغادرة وزوجات علا التذمر وجوههم من هم الخدمة لذلك المريض يتمنين انتهاءها.

 فما الذي أوصلك هنا ياسيد هذا البيت وعموده؟ 

ولماذا ذهب كل ماقدمته من شبابك لهرمك مع الريح؟ أين الوفاء؟

 أين الرحمة؟ 

أين البر ؟ 

أين الولاء؟

ببساطة شديدة رصيدك من الرحمة سالب 

يامسكين. 

— — — — — — —

نعم عملت وأنفقت ولكن راجع حساباتك في العلاقة مع كل فرد هل كان مع الحزم لين ورفق أم لسان سليط بالأوامر والنقد وقلبٍ جاف وبُ عد بالجسد والمشاعر . آباء نراهم في زحمة الحياة يده ولسانه تتسابقان لأذى أطفاله وزوجته ولسان حاله يقول أنا الأب ولا بد أن يحبوني ويبروا بي! 

وكلما راق له هدد بالزواج بأخرى أو يأتي بها كأوجب الحقوق له كذكر لا كرجل. متجاهلًا كل توجيهات ديننا القويم في التعدد ومعيار التعامل الإنساني (وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) منساقًا لعنجهية القوة والسلطة على أسرته مبددًا من قلوبهم أدنى درجات الولاء والحب له وهم يلاحظون زعزعة الأمان من البيت وانكسار الأمهات.

أيها الأزواج والآباء:- احرصوا على إيداع رصيد ملياري من الحب والأمان والاحترام وبذل الوقت والمشاعر لبيوتكم لتجدوا ذلك في عجزكم حبًا وولاءً ورحمة وبرًا.

قالت لي بعفوية: أتعجب من ردود جدتي الجافة الفَظّة لجدي المسكين.

قلت لها:كيف سمعت عن علاقتها القديمة في شبابهما؟ قالت: وهي ضاحكة تزوج عليها بأخرى في الأشهر الأولى وهي عروس. 

وعلى النقيض سبعينية لاتذكر زوجها إلا بابتسامة بل وحبيبي أبا فلان لا حرمني الله وجوده في حياتي يتسابقون هي وتلك الأسرة الرائعة من أبناء وبنات لنيل رضاه وإدخال السرور له وهو التسعيني العاجز وحين تتحدث عن حياتهما تُكبر ذلك الرُقي والحب والوفاء الذي يُذكِرك ببيت النبوة. 

قد تتساءل أيها القارئ وأين مخافة الله في تلك النماذج والرجاء لما عنده فنقول: هذه صفة ملائكية لمن يتقي الله لدرجة الخدمة والولاء الصادقين لمن كان يعالجه بصنوف الأذى ليل نهار غير آبه والآن أعجزه الزمن وإلا واصل المسير (ومايلقاها إلا ذو حظٍ عظيم)

فاحرص أيها الأب على رصيدك الأغلى وأودع فيه يوميًا خليط المشاعر الدافئة التي تخلدها الذكريات و ستغترف منها في عجزك وتكون الوارث منك بإذن الله.