مكة المكرمة - متابعات

“الشعرية الرقمية والتجربة النصية”، عبر هذا المحور جاءت بحوث الجلسة الرابعة من ملتقى نادي مكة الثقافي الأدبي، والتي أدارها الدكتور طلال الثقفي، وفيها قدَّمت الأستاذة الدكتورة صلوح مصلح السريحي بحثًا رصد بلاغة النص الرقمي، من خلال بلاغة التلاعب في “لوحة فنجان” لمحمد حبيبي أنموذجًا. مشيرًا إلى أنَّ النصوص الرقمية تضعنا أمام معمار أدبي جديد يُولد من رحم التقنية ووسائل التواصل، ويكسر بهما خطية النص، ويشرك القارئ في تكوينه، ويفرض ذاته بلغته ومكوناته من وسائط متعددة وبنى تشعيبية وقراءة تفاعلية. وبهذا يشكِّل تحوُّلًا في الكتابة والقراءة، أوجب هذا التحوُّل ظهور بلاغة رقمية تتماشى معه، وتجوس داخله وتخضع لسماته وعناصره ومكوِّناته، وتستمد منها معاييرها وجمالياتها، وهي بلاغة نوعية تنبع من النص وتخرج منه.
أمَّا الباحث إسماعيل البويحياوي فسعى -في ورقته- نحو مقاربة تداولية معرفية للأدب الرقمي، عبر عرض تجربة في قراءة محكي أدبي تفاعلي عالمي، منطلقًا في مقاربته من سؤال جوهري ذي طبيعة تواصلية حول علاقة المؤلف الرقمي بالقارئ المبحر. خالصًا من ذلك إلى أنَّ المقاربة التداولية المعرفية، تتجاوز وصف الأثر ومكوِّناته، وبنياته إلى تأويله وكشف إرادة قول صاحبه، وتتَّسم بالمرونة والشمولية، وقابلة للتعميم ودراسة أنواع رقمية أخرى.
وتضع الباحثة عائشة فهد القحطاني النص الرقمي التفاعلي في معرض البحث بين تعدُّد القراءات والإنتاج، عبر نماذج رقمية مختارة، مستندة في بحثها إلى المنهج النقدي السيميائي لقراءة دلالة إنتاج النص الرقمي، ومدى ارتباطه بالنص المكتوب، مع الإفادة من المناهج النقدية الحديثة، مستخلصة من ذلك أن تَعالُق البناء الرقمي مع البناء اللغوي في الأفكار التي تُشكِّل أهمية للمتلقِّي، حيث يرُكِّز عليها في أثناء تلقيه النص الأدبي، ثم يقوم بمعالجة تلك الفكرة وفق الأداة الرقمية المتاحة وبحسب رؤيته. كما أنَّ تفاعلية التَّلقِّي للنص الأدبي تسمح بإعادة بناء النص الأدبي وفق رؤية المتلقِّي.
ويتَّخذ الباحث إبراهيم عبده نجمي من قصائد الشاعرة مستورة العرابي أنموذجًا لبحث “تلقي الوسم الشعري في تويتر”، متلمسًا العلاقة القائمة بين الوسم وإبداعها الشعري، ودواعي حضوره المنتج للنص في عملية كان المتلقِّي هو الباعث الأول، ولماذا كان للوسم خصوصيته وتفرُّده في التعبير عن موضوعات الشاعرة د. مستورة العرابي؟ وما هي آليات التلقِّي وأثرها على إنتاجها المبدع؟
وتعود القصيدة التفاعلية “لا متناهيات الجدار الناري” لمشتاق عباس، إلى ضوء البحث والتنقيب في ورقة الباحثة إلهام شافعي، التي اشتغلت على ميكانيزمات الحركة والالتفات البصري في هذه القصيدة، مشيرة إلى أنَّ العالم -اليوم- دخل مرحلة جديدة كُنيت بالمرحلة التِّكنولوجية، هذه التِّكنولوجيا التي طرقت عدَّة ميادين، وكان ميدان الأدب من أبرز المتأثرين بها، إذْ أبهرته التقنية ببرمجياتها المختلفة ووسائطها المتعددة، وكذا عوالمها المفتوحة، فراح يستعير وسائطها التي سهلت له استدعاء مختلف الفنون، وكان الفن البصري من أبرز الفنون الصَّامتة والعميقة الأثر، إنَّه اللغة الصَّامتة التي باتت تزاحم دلالة الحرف، فاستدعاه الأدب التَّفاعلي وراح يوظِّف مختلف الصُّور كبنيات أساسية للإبداع للتّفاعلي، إذ جعل من الصُّورة خلفية لنصوصه أو أيقونات عبور ترابطية متناسقة، ولم يكتفِ بذلك فحسب، بل دعَّمها بميكانيزمات حركية، فباتت الصُّورة متحركة سابحة في الشَّاشة الزَّرقاء.
كذلك شاركت الباحثة عبير محمد طهبوب في الجلسة الرابعة بورقة تحت عنوان “الانزياح التقني وآلياته الإبداعية – مقاربة نقدية تفاعلية”، مبينة أننا -اليوم- في صدد مواجهة تيَّار أدبيٍّ جديد أضافته معطيات التِّكنولوجيا هو التَّيار الأدبيُّ الرَّقميُّ. مضيفة: من أجل ذلك صار حريًّا بنا أن نبحث عن آليَّات بناء النَّصِّ الرَّقميِّ كذلك؛ لنتعرَّف على المبدع منه، فيدخل حقل الأدب بجدارة أيضًا، لذلك حاولنا الوقوف عند هذه الفرضيَّة، ومحاولة إثباتها من خلال مقترحنا (الانزياح التقنيِّ)، وتعرِّف تقنيات وجوده في بناء النَّصِّ وما تفرزه من جماليات تجعل من تراكيبه تراكيبًا غير نمطيَّة تحاكي الأدب وتدخل في حيزه.