بقلم/مشاعل آل عايش

 

كان المكان مكتض بالجداول العذبة، وكل جدول له ضفافه التي تميزه عن الآخر، وفي كل منعطف في تلك المدينة يبصر الإنسان جداول جديدة وجميلة، سمعت مصادفة عن ذلك الجدول، وما يتميز به، اقتربت فرأت فعلا تميزه عن الآخرين في صفاءه وسرعة جريانه، وتزاحم الناس حوله، رغم مطالب الحياة المتعددة، يظل النظر لذلك الجدول سبباً مريحاً، وملهماً لمواصلة المسير، فهذا الجريان المتدفق لايتوقف ليلاً أو نهاراً؛ كيف لو كان كل البشر كذلك عطاء، وجلالاً،……كانت تفكر مليا ترى أيها الجدول هل تحمل في ذراتك ألماً لهذا الجريان المتدفق؟هل تستصعب البقاء على مظهر واحد في الصفاء؟ هل كل من نظر إليك رأى وجهه كلوحة حُسن وإن شوهها الزمن؟هل تتابع هذه الذرات يخفي هزات خفية تحركها لايصل لها مقياس رختر؟…….
وفي لحظة هدوء وتأمل، يحيط بها جو من السكينة سمعت صوتا كأنه يتسلل إلى أذنها من الضفاف، أو من بين ثنايا الورود المجتمعة حوله، أو من سرب الطيور المحلقة على علو منه،..يقول لها: أنا سعيدٌ جداً بهذا العطاء وإن نضبت، ولا أستطيع أن اُعكر صفو من رأني رقراقاً ولو أختلج الباطن بما فيه، نعم تتكسر جُزيئات الماء في أعماقي وينفصل الأكسجين عن الهيدروجين، فاختنق بهما في معادلة كيميائية أليمة تحملهما على الإلتحام في الظاهر مرة أخرى، وفي جرياني المتواصل أمر على الصخور، والأشجار، بل وبعض الكائنات النافعة والسامة فلا أحرم شيء منها عذب الماء ونقاءه، يكفي أنني غدوت لها جميعاً أملاً منتظر، وسبب من أسباب الحياة،……
كانت تُكبر في ذلك الجدول تلك المعاني الطبيعية التي أودعها الله فيه، وتقول :حُق للبشر أن يكونوا مثلك!!.
تتردد لرؤية ذلك الجدول وتحاول جاهدة على ضعف حيلتها إبعاد أي شائبة تصل لضفتيه، رغم ضعف المحاولة كانت سعيدة بذلك، ….
وفي يوم من الأيام وهي تنظر إليه متأملة يعود لها الهتاف من ذلك الجدول قائلاً لها؛ أنظري عن يمينك قريباً خلف تلك الأشجار الوارفة التي أسقيها، وإذا بجدول جديد ممتد منه، دهشّت وقالت ما هذا؟؟؟أجابها ذلك الجدول هو لك، مرورك من هاهنا لم يكن مجهولا لديه، أجريته لحظة غفلت فيها ولم تتنبهي، ذهلت من هول الدهشة وقالت بل حق لعينيّ أن تجري الدمع كما جرى ماء هذا الجدول؛ لقد علمتني معنى الوفاء حينما نفدت سلعته في كل المتاجر، وعلمتني حقيقة العطاء عندما أقام قطاع الطرق حد العطاء على الباذلين، كنت أمر من هنا بجهد المقل، وأنت تصنع لذلك طود الخلود، علمت حينها أن هناك متراجحة رياضية لا يمكن أن يستوي الطرفان فيها، سيظل ذلك الجدول متصدراً لعلامة أكبر من(>)مهما أضيف لطرف المتراجحة الآخر، فالحل لهذه المتراجحة مقداراً معنوياً لا تتسع له قيمة المجهول،……
عندها أيقنت أن هناك من يحمل قيم الحياة بكل أغوارها.