آمنة جلي

الأبناء هبةٌ وذُريَّة وَهَبها الله -عزَّ وَجلَّ- لِمنْ شاءَ مِن خَلْقهِ ، و كَعادتِنا نَحنُ البشَر تَجدُنا في مُعظَمِ الأَحيَان لا نُقدِّرُ قِيمَة الشَّيء ، حتَّى نَفقِده٠

وجَمِيعُنا يتَّفق بأنَّ الأسّْرة هي أوَّل مُحيطٍ يَنْشَّأ فيهِ الأَبْناء فالأُم والأَب هُما مَصدر الحَهنان والرَّعاية وجُدران الحِماية لأَبنائِهم، وتَحتَ ظِل تِلكَ الرَّعاية الأَبويَّة ومن خِلال التَّقارب و التَّواصُل ، ومَعَ مُرور الوقت تَنشَّأ عَلاقةُ بَينَ هَولَاءِ الأَبَاء وأَبنائِهم ، ولَكِنْ ما هي تِلكَ العَلاقَة و كَيف هو َمَنْشأهَا ؟ وما طَبيعةُ عَلاقَتنا بأبْنَائنا ؟

إنَّ العَلاقة السَّوية بَينَ الأَباء وأَبناءِهم لابُد أن تُبْنَى عَلَى الحُب والتَّفاهم ، والمُصُارحة ، بجانب احْتِرَام حُريَّة الرَّأي ، وتَحَمُّل المَسْؤولية٠

لكنَّ أُسْلوبَ السُّلطَة الأَبويَّة أو الأُسَرِّية لا يَقتَصر ضَررهُ على الأَبنَاء فقط بل عَلَى المُجْتَمعِ كَافّةً، عندما يُربَى الابن على أُسْلوب القَمْع والتَّهديد مع اللَّوم المُسْتَمر فَيتَحوَّل ذلك الطَّفلُ إلى شَخْصٍ مُشوَّهٍ نَفْسِّياً مُتَمردٍ على القَوانِين ناقِم على جَميع مَن حَوله ، كمَا تَكْثر في حَياتِه الصِّدامَات والمُشْكلِات ، ورُبَما يَفشَل مُسْتقْبله, لأنَّ كثْرَة الضَّغْط باستمرار قَد تٌولِّد الإِنْفجَار ، فالأبْناء ومُنْذُ الصِّغَر لاَ يَسْمَعُونَ سٌوَى لُغَة الأَمْر إفْعَل أو لاَ تَفْعَل ، نَحْنُ نَرَى وَ نُقَرر عَنْك ونَخْتَار لَك ، ولَيسَ عَلَى الأَبْنَاء سُوَى السَّمْع والطَّاعة ، رُبْمَا هَذَا الأُسْلُوب مِن الطَّاعَة ، قَدْ يَكُون فَيهِ نَوعاً مِنَ التَّهْذِيب وتَرْوِيض النَّفْس ، ولَكِنَّ المُبَالَغَةَ فِيه قَد تُؤَدِّي إلى سَحْقٍ لشَخصِّيةِ هَؤلاءِ الأبنَاء فَيَكْبُروا ضِعَاف النُّفوس مُنْهزمِين لاَ يَمْلكُون الشَّجَاعَةَ لاتَّخاذ أي قَرار في حَياتِهم أو تَحَمُّل مَسْؤُولية ، ليس لَديهم ثِقة بِذَاتِهم أو اسْتِّقْلاَل بِشَخْصِياتِهم أو رُؤية أو قُوة ولا حتَّى إرَادة ، إنَّ انْعَدَام لُغَة الحُوَار والتَّفَاهم ، دَاخِل البيوت يُورِّث لَدى أَبنَاءنا عَقْلِية الجِدار لا الحِوار ،إذْ يَسْتَطِيع كُل من هَبَّ ودَب التَّأثِير عَليهِم وجَرْفهم لأي تَيَّار ، لأنَّ لَديْهِم القَابِليَّة والجَاهِزيِّة لذلك ، فعُقُولهم أَصْبحَت كالأَوعِية الفَارِغَة ، يُمكِن لأي مُتربِص حَاقِد أن يَصُبَّ فيها مِن السُّمُوم مَا شَاء٠

أََبنَاءنا هُم كَالأَزْهَار، وكلُّ زَهْرَة لها لَونها ،وسِماتها ، ورَائِحتها التِي تُميزُها عن غَيرِها ، إذْ الأَبناء لايَتشَابهون في كُل شَيء ، فلِكلٍ مِنْهم شَخْصَّية ، وصِفَات وطِبَاع تَخْتلِف عَن الآخر، وهذا بَدَهِي لأنَّ الإخْتِلاف أَمْر طَبيعي بَين البَشر٠

وفي دِينِنَا الإِسْلاَم كُلُكم رَاعٍ وكلٌ مَسْؤُولٌ عن رَعِيتِه ، وتَشْمَل الرعاية هُنَا ، احْتَرام ذَوَاتِهم و خُصُوصِياتهم ،يَلبسُون ما يُحبون ، ويُدرسُون التَّخَصُّص الذي يَختارون ، ويَتَزوَّجون مَن يَرغَبُون ، ويَعمَلون في المَكَان الذِي يُريدُون ، لأنَّ حَياتَهم مُلكٌ لهم وليس مُلكاً لنَا٠

لِنَرفق بِهم ويَكفي ، تسَلُّطاً ولْنعْطِيهم بَعضاً مِنَ الحُرِّية والمَسَاحَة في حَياتهم ، حتَّى يكتشفوا أَنْفُسَهَم، و قُدُرَاتِهم و تُصْقَل شَخْصِياتُهم تَدريجياً من خِلال ما تَعَلَّمُوه مِنَّا عَبْرَ مَواقِف و تَجَارِب الحَيَاة المُختَلفة مِنْ حَولِهم مَعَ المُتابَعة ، والرَّقَابَة المُتَوازِنة التِّي لاَ تَفقدهم ذَاتهم ، أو تَقتُل إبْدَاعَهم ، نَحْنُ البَشَر بِطَبيعَتنا وُلدَنا أَحْراراً كَمَا أَنَّ أَزْمَانهم تَخْتَلف عن أَزْمَانِنا ٠ فَمِن حَقّهم أَنْ يَعِيشُوا حَياتَهم في أَيَّامِهم وأَزمَانِهم ” أَزْهَاراً لاَ أحْجَار “٠