علي معشي

البحر سادر في سكونه ، ممتنع عن ضجيجه المعتاد ، تأبى أمواجه الرقص دون رؤية المتنزهين الغائبين خلف أسوار منازلهم هذه الأيام .

الشمس تقبِّل جبين الشاطئ الدافئ المتكئ على خاصرة البحر لتمسح هالة الحزن عن جبينه الباهت ، لعله يبوح لطيور النورس المتسائلة عن سر الشحوب و أسباب التجاعيد الظاهرة على وجهه.

الأسواق والملاهي والطرقات تعيش حداداً طويلاً وتتلفع بالسواد بعد أن فقدت بريقها وبهجة أركانها .

الفجر يرمق شروقاً ساطعاً يأتي يوماً بالبشائر ، بأخبار الشفاء ، الكون ينتظر الموعد والموعد في السماء .
كل شيء رهن إشارة الرب المدبر العظيم .

دواليب البحث العلمي لا تتوقف عن الدوران وعلماء وأطباء عاكفون خلف طاولات معاملهم وأجهزتهم يرصدون كل شاردة وواردة في عالم الكائنات الدقيقة المستترة خلف مجاهرهم الحديثة كأنما يسبحون في فلك واسع الحدود مترامي الأطراف ، لا يدركون كنهه إلا نزراً يسيراً مما كشفته القدرة الإلهية ومما علمهم ربهم سبحانه وتعالى .

العقول حائرة ورحى البحث دائرة والعالم الأرضي يبتلع غصصاً ثقيلة لم يكن يتوقع بعضاً منها ، فيقف مكتوف الأيدي عاجزاً عن فعل شيء سوى الهروب من عجلة المرض والتمدد تحت سطوته متنازلاً عن كبرياء المال وجبروت السلاح وقوة السياسة في حالة استسلامية مزرية ، لم يعهدها العالم بهذه الكيفية النادرة ، ليظهر جلياً أن الأمر فوق طاقة البشرية وخارج حدود القدرات الآدمية .
إن الأرض بحاجة ماسة لمعانقة السماء والعالم السفلى مشتاق لغياث العالم العلوي والقلوب ضمأى لاستمطار الرحمة من ربها والأيدي متعطشة لارتفاع سواعدها بالدعاء ، الكل مدين باعتراف وخضوع وعودة إلى مالك الملك ورب كل شي وصانع الحياة وعالم أسرارها .

الله رحيم بعباده ولن يدوم أمر كهذا لكنه يبتلي عباده ليرى منهم خيراً وعملاً صالحاً وتوبة نصوحا .
إن إيماننا العظيم بربنا ورحمته التي وسعت كل شيء أهم مصدر للطمأنينة السارية في قلوبنا وقلوب المؤمنين ويقيننا بالفرج القادم هو ما يجعلنا نعيش في رضاً تام بما قضى وقدر ربنا جل وعلا وننتظر البشائر بكل ثقة .

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وارفع عنا وعن العالم كل بلاء ووباء ومرض.

كتبه / علي معشي
28 / 8 / 1441 هـ