مشاري الوسمي

حين تبدأ الأزمات ، نتفقد أحباءنا ، نتابع بشغف أخبار العالم من أقصى الأرض وحتى بيوت الجيران ، بحثنا الدائم عن المهم وانشغالنا بأداء المهمات جعلنا كالتروس لا نتوقف ، بل إن بدواخلنا نارًا مستعرة لا تهدأ ولا تنطفيء .

هذا الاهتمام أوجد فينا مفهومًا خاطئًا للأهم ؛ والانشغال بسد الفراغات والوصول إلى حافة الكمال ، دون النظر إلى ماهية المعطيات التي وصلنا من خلالها ، ولكن هدأ العالم وقبله هدأت نفسي وأصبحت في مواجهة كنت أراوغ وأفر منها بأستمرار ، ولكن طال المقام بي وكانت حتمية ولابد منها .

أصبح أحبابي كثر ، ولكنني عدو نفسي ، فقد أرهقتها وشققت عليها ، لم أُلاحظ يومًا أن عجلة العمر لا تتوقف ، وأن آثار التقدم بالسن لا ترحم؛ فعند استيقاظي صباحاً أتعجل في الخروج ، فلا أملك وقتًا طويلًا للتمعن في مرآتي ورؤية بصمات الليل على وجهي؛ فالعجلة أصبحت طبعٌ لا يمكن التخلص منه، أركض في كل زاوية وممر ، أشرف على هذا ، أطمئن على مسيرة العمل هناك ، أصادف من البشر أعداداً لا تحصى ، و وجوه لا يمكنني تذكرها. مشاعرهم متأرجحة ، نفوسهم ثائرة كحياتنا ، أجاريهم و أحتوي خلافاتهم؛ لنصل معاً إلى نقطة تسوية تصل بنا إلى بر الأمان ؛ متجاهلًا ما وقع في نفسي ، ضاربًا عرض الحائط بنواتج ما حصل وما قد يحصل طوال اليوم .

أعود ليلًا وقد أعياني طول يومي، بقسوة ساعاته ، حدة دقائقه وظلم ثوانيه، فأهرب بالنوم عن مواجهة نفسي أو تضميد جراحها و لملمة شتاتها ، هكذا هي وتيرة الأيام . حتى جاء يوم الحساب وتواجهنا في صمت من البشر ، سكون في أرجاء المكان ، أسمع نحيبها وقد تملكتها الجراح ، خارت قواها من قسوتي وقهري ، دمرت أركانها بمعول الأيام . فأنا لست ذات الشخص من عشرات الأعوام. لقد هرمت نفسي قبل جسدي ، وزادها ظلمي شتاتًا .

لكن اليوم؛ وبعد مخاض عسير ، أقفل هاتفي وأطفئ تلفازي ، فينتهي ضجيج العالم وأقبل على حديث النفس الخافت المطمئن ، فقد أصبحت أولى اهتماماتي ، وأقصى ما أطمح له؛ سلام ينبع من داخلي ، يمسح بقايا تجاعيد الحزن على وجهي ، يرمم تصدعات السنين ، يعيد ترتيب وتشكيل أبجديات الحُبّ والرعاية ، واستحقاقهم في حياتي ؛ لأكون صادقًا ومتفهمًا وراعيًا لنفسي ثم للآخرين .

دمتم بحب وعطاء لأنفسكم أولاً ثم للجميع .