بقلم.... بركية الرحماني

لا شك أن العالم أجمع أستاء كثيرًا من هذه الجائحة ( كورونا ) لكنني لن أتناول في هذا المقال إحصائيات ولا سرد توجيهات صحية، وإجراءات احترازية، إنما سأتحدث بمنظور آخر وهو ما تعلمته، وماأدركته، وما شعرت به، أثناء حدوث هذه الجائحة وما مررت به في فترة الحظر، والمكوث في المنزل .
ثمة أشياء اكتشفتها ربما اكتشفها الكثير معي ولاحظ ذلك، فالكون لا شك قد دبره الله تدبيرًا متقنًا، وعرفنا هذا من قبل وآمنا به، لكن تعلمت من (كورونا) أن الله قادر بين غمضة عين وانتباهتها أن ينزل شيءٌ بهذا الكون ليس متوقعًا، يغير فيه تغييرًا يقلب موازين الحياة فسبحان الله ذي الجبروت والقوة .
إننا كنا قبل كورونا نشتكي كثيرًا ونتأزم من حياتنا وندعي الملل، وبالعامي ( الطفش) وأن الحياة كئيبة وروتينية، وبعد كورونا أدركنا أن الحياة جميلة ومهما صعبت نستطع تجميلها والاستمتاع بها .
كما أننا كنا كثيري الخروج والتنقل بين الأسواق، والكافيهات، والأماكن العامة عمومًا لحاجة أو لغير حاجة قد يكون البعض مضيعًا لوقته، مهملًا واجباته؛ مسببًا ازدحامًا في كل مكان، فصرنا الآن مستقرين في منازلنا ننعم بهدوئها وأمانها بين أسرنا وأبنائنا، كم هو جميل جوّ الأسرة! ومافيه من فعاليات للترفيه، والضحك، والتعمق في شخصيات بعضنا البعض، نشعر بفرح أهلينا وننعم ببسماتهم الصادقة.
أيضًا كنا قبل كورونا وللأسف لا ندرك النعم من حولنا من غذاء وملبس وغيرها؛ لأننا في أي وقت وفي أي مكان نستطيع الحصول عليها حتى أسرفنا فيها؛ لكن مع كورونا بدأنا نتيقظ ونخشى أن ينقطع عنا الغذاء أثناء الحظر، فخشينا أن لاتوفر لنا السبل حتى يصلنا مايقوتنا؛ ولكن هذا الوطن الغالي يهمه كثيرًا راحة أبنائه فلم ينقصنا شيء قط .
كنا في السابق نقوم برمي الكثير من بقايا الطعام، والآن من تجربتي بدأت أعرف كيف أقتصد أثناء الطبخ، وأحاول ألا أبقي شيئًا من بقايا الطعام خوفًا من فقده، وخوفًا من سخط الله؛ قد يقول البعض ألم تكوني تخافيه من قبل؟! فأقول : بلى إنني أخافه ومقتنعة بذلك ولكن التعود على الإسراف والبذخ جعلنا نفتقر للتدبير. كنا قبل ذلك مسرفين، والآن أصبحنا مقتصدين مدبرين .
ومما لفت انتباهي قبل كورونا كانت المستشفيات مكتظة بالمراجعين لدرجة الزحام، والآن أين هم أولئك المرضى بعد كورونا ؟! ألم يمرض أحد قط ؟!
أم أن الأنفس شفيت ومرضت أجساد أخرى بفيروس كورونا ؟!
قبل كورونا كنا نتحجج بأن مقتنياتنا قديمة ولا جدوى منها ونرغب في التغيير بين الفينة والأخرى ؛ لكننا بعد كورونا وأقولها بكل تعجب وتبسم : أصبحنا ماهرين في إعادة التدوير وهذا ما لحظناه في أيام رمضان والعيد .. أبدع كثير من الأسر في التزيين والتنسيق كما رأينا في مواقع التواصل الاجتماعي واكتفينا بالقليل؛ لنتزين به صباح العيد، أيننا من هذا قبل كورونا ؟!
فأقول : ( رُبَّ ضارة نافعة ) بالفعل تضررنا كثيرًا من كورونا لكنها أيقظت في دواخلنا ضمائر ماتت أو استماتت أو غفت في دوامة الحياة، فجاء كورونا نبهنا من سباتنا الطويل؛ فا لحمد لله على نعمائه دائمًا وأبدًا، واسأل الله أن يرفع عنا هذا الوباء لنستقبل الحياة بروح أكثر وتغييرًا للأفضل .