بقلم... مشاري الوسمي

لم تكن أيامي معها منصفة ، مرت سريعًا وكأنها لم تكن ، كانت نبضي الهاديء ، خلا البال من بعدها، فلا شيءٌ مهمٌ في وجودها سوى عينيها ، رفة جفنيها ، إبتسامة من ثغرها تكفي لسريان تيارٍ باردٍ داخل أوصالي . 

بنظرتها تغير العالم من حولي ، أصبحت أرى الألوان في كل مكان ، من بين الأشجار تخرج الألحان ، لتراقص نسمات الهواء ، وتعانق أطراف السحاب ، لمستها تقيض بداخلي ما دفن تحت الرماد ، تخرج ما اختبأ بين الحنايا والضلوع .

إذا جلست في شرفتها بين يديها المخمليتين كتابٌ عن العصور الوسطى، انحنى لها التاريخ سارداً قصصه ، ممازحاً قسماتها الناعمة ، مخففًا حزنًا كاد أن يتجلى في محياها ، تتسابق الأمواج وتسكن تحت جدارها، علها تحن بنظرة، أو تجود بحصاتها، لترميها على أمواج البحر المتيقظة ، والمتلهفة لالتقاطِ شيئًا منها . 

تلك حبيبتي؛ التي أخشى عليها من شدة الهوى، قسوة الشمس ، و وحشة الليل، لعمري إن صوتها يشبه قيثارة ذهبية لا وجود لها إلا بين أركان المتاحف ، و زوايا الملهمين ليعرفوا قيمتها و يصونونها للأبد . 

ليس منها أربعين؛ بل هي فريدة ، نادرة ، لو وجد نصفها لأضحت الأرض مكاناً للهائمين المتيمين ، إذا ناديتها خشيت على قلبي من سماع صوتها ملبياً ، فتأتيني طواعية مقبلة كالجنة في الدنيا ، فأرى انعكاس صورتي في عينيها من شدة الهيام والوجد . 

لكن الحياة كالبحر ، صفاؤه مستحيل ، استدامتها محالة ، كان البعد قدر ، الفراق نصيب ، وسهام الهوى تأبى أن تغادرني رغم السنين وضحالة الذكريات. 

فيارب إما لقاءٌ قريب يجمع شتات الأفئدة ، وإما غروبٌ لذكراها ليس بعده شمس . 

دمتم بحب ونعيم ، لا وجع ولا كدر بعده .