بقلم /د.عثمان بن عبدالعزيز آل عثمان

عندما نقرأ ونتدبر القرآن الكريم نجد كنوزًا ثمينة في مواصفات الرئيس الفذ والإدارة المتميزة باللطف واللين التي تحفز على الإبداع والتطور وأهميته، والتي ربما تتلخَّص في آيةٍ واحدة من سور القرآن الكريم، قال تعالى:﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ سورة (آل عمران: ١٥٩).
إنَّ هذه الآية الكريمة تؤكِّد على خلق رفيع من أخلاق الرئاسة باللطف، وهو خلق الرحمة والتقدير والاحترام، والتيسير وعدم الغلظة، مبيِّنةً أنه رافدٌ عظيمٌ، وخلقٌ كريمٌ، حيث كانت دافعة من دوافع نجاح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في دعوته، والتفاف صحابته حوله، وإصغائهم إلى أوامره، وتحري مرضاته، فالأخلاق الحميدة، ومنها لين الجانب والرحمة واللطف، وعدم الحقد والحسد والكراهية والغل، لا ينفعل من صغائر الأمور ولا يهملها، له أهداف ورؤية ورسالة ثاقبة، وطموح، عادل مع الآخرين ، ويصحح الأخطاء فور وقوعها هذه أهم بعض صفات الرئيس الذكي المثالي، ذلك أنَّ الكلام الليِّن أبلغ وأوقع في النفوس البشرية، ودون أدنى شك هذا اللين من النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما برحمة الله تعالى وتوفيقه لنبيه الأمين، ومن كمال هذه الرحمة أنه سبحانه عرَّفه مفاسدَ الغِلظة، والقسوة، والفظاظة؛ فعمل على اجتنابها، والتحلي بضدها، وهو اللين والرحمة، ومن هنا يجب على الرئيس الرائع أن يتعامل بالتسامح وغفران الزلات والأخطاء غير المقصودة من الآخرين، وممارسة فن التغاضي والتغافل عن الأخطاء، على حدِّ قول الشاعر:
ليس الغبيُّ بســيِّــدٍ في قومه ولكن ســيِّـــدُ قومِهِ المتغابي
وكذلك ينبغي على الرئيس الفطن إشعار المرؤوسين بالأهمية، من خلال مشاورتهم بالرأي، وهــذا ما كان يحرص عليه الرسول – عليه الصلاة والسلام – مع صحابته الكرام، رضوان الله تعالى عليهم أجمعون، حين أخذ بمشورة الصحابي الجليل الحُباب بن المنذر- رضى الله تعالى عنه- في المكان المناسب لتمركز الجيش في غزوة بدر، وكذلك أخذا بمشورة الصحابي الجليل سلمان الفارسي في حفر الخندق يوم غزوة الأحزاب ، نعم كان يأخذ بمشورة أصحابه – رضي الله عنهم أجمعين – ثم كان يتخذ قراراته بحزم ” فإذا عزمت فتوكل على الله “
نعم إنَّ مهارة صناعة القرار واتخاذه ينبغي أن يمتلكها القائد المتميز، والأكثر نجاحًا وذكاءً أن يُشرك بها أتباعه، فيحقِّق بذلك منافع متعدِّدة، منها تحفيزهم، ومنها تحضيرهم وإعدادهم؛ ليكونوا في الصف الأول وقت الحاجة، ومنها الاسـتنارة بآرائهم وخبراتهم وتجاربهم نحو مستقبل مشرق- بإذن الله تعالى- إنها آيةٌ واحدة من فيض القرآن الكريم تعطينا أسرار الإدارة الذكية بلا مشاكل، ونحو تقديم خدمات وإنجازات كبرى بعظم المسؤولية.