مشاري الوسمي

قادتني الأمواج إلى مرفأكِ ، كنتُ أعلم بأنكِ لستِ حورية البحر، بل أنتِ منارة تلكَ الشواطئ، حضنًا لكل تائه و شعلة هداية لكل ضال.. أتيتُ لكِ طائعاً يغزوا الشيب شعري، يثقلُ الدهر حركاتي و يخنقني الكرب من كل مكان .

تعبت من تلك الاسفار التي أرهقتني و موانئ الخيبات التي رسوت عندها سنين و سنين، أنتظر قصة حُبٍّ تنفرج بين أركانها.. و لكن دوماً كنت أعود خالي الوفاض مكسور الوجدان و الخاطر، فتأتينَ في خيالي شامتة، ضاحكة بسخرية ..لن أنسى تلكَ النظرات العابرة التى تقع في قلبي موقع السهم السام، حينها أعود فأنهض و أجمع شتاتي معلناً الحرب على ذكراكِ و مسخراً كل قواي لِأبدأ من جديد ..لكن تتوالى الهزائم، تعظم الخسائر و أعود إلى نقطة البداية بجراحٍ أعمق و كبرياءٍ مهشم ..

بعد رحيل أجمل أيام العمر و اقبالي على خريفه .. أتيتُ جامعاً معي كُلّ الخيبات، الطعنات و جروح العمر الملتهبة .. رامياً بذاتي عند شاطئكِ، إما ناجياً و إما مدحوراً و كلاهما سواء، لِأنني لن أُبرح مكاني إلا و أنا رفات.. فلم أعد قادراً على الرحيل أو حتى الصمود إلا بين ذراعيك .. اقبليني عابر سبيل، يعيش بين الطرقات و الأرصفة ، يأكل الفتات و يغنم من صدقات المحسنين، فإن اطالَ الله عمري بين جدرانك غنمت الخير الكثير و إن بالغتي في صدكِ و القيتي بأحلامي و آخر آمالي في قاع المحيط، فقد حكمتي عليَّ بالموت ألف مرة قبل أن تخرج روحي من هذا الجسد البائس الهزيل ..

أغفري لي رحيلي حينَ كنتُ يافعاً، طائشاً، أهوجاً.. غرتني الدنيا الكبيرة الواسعة من بعيد، لكنها و الله بدونكِ ضنكة العيش، عسرة الملامح، شحيحة العطاء.. جودي عليَّ بكرمكِ لكي أعيش ما تبقى لي من العمر، مصححاً لِأخطائي، منادياً في البر، البحر، الأرض حتى حدود السماء، أنَّ لا وطناً يشبه وطني، و لا أرضاً كأرض وطني، ليست كُلَّ الأحضان دافئة، فحضن الأفاعي هلاك، كذلكَ هيَّ الغربة …

دُمْتُم بَيْنَ أَحْضَانِ أَوْطَانِكُمْ هَانِئِينَ غَانِمِينَ ..