كاتبه _ شاكر بن محمد علي نجمي

( ١ )
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطائك ، اللهم لك الحمد على قضائك وقدرك ، اللهم إنا لا نقول إلا ما يرضيك ربنا : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) وإنا على فراقك يا شيخنا وأستاذنا وأخانا ووالدنا وصديقنا وحبيبنا لمحزونون ، اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها ، اللهم إنا نسألك أن تغفر له وترحمه وتعفو عنه وأن تسكنه فسيح جناتك وأن ترفع درجته في عليين وأن تبدله دارًا خيرًا من داره وزوجًا خيرًا من زوجه وأهلًا خيرًا من أهله ، رضينا بقضائك ربنا فألهمنا الصبر على فراقه واربط على قلوبنا جميعًا بالإيمان والاحتساب .

( ٢ )
أي أقلام ستسعفني وأي مداد وحبر سيكفيني وأي لغة وعبارات وكلمات ستقف معي لأبوح عن مشاعر الحزن والفراق كيف لي أن أعبر وكيف لي أن أكتب وأسطر وفي القلب غصة وحرقة وفي العين قطرة ودمعة وفي اللسان تعثر وتلعثم ، تمر الدقائق والساعات وستمر الأيام والليالي وستبقى الصدمة والفاجعة لا تفارقنا لكن إيماننا بالله وعقيدتنا الصحيحة هي التي تنتصر وهي التي تجعلنا نرضى ونسلّم ونستسلم وتجعل الحمد والشكر والثناء لله هو لهجنا والدعاء لفقيدنا الغالي هو ديدننا في كل وقت وحين كيف لا يكون ذلك وكانت من آخر كلماته التي سمعتها منه قبل دخوله العملية وفي آخر اتصال كان بيني وبينه قوله ( الحمد لله أنا مؤمن بالله وبالقضاء والقدر وعقيدتي قوية ومتوكل على الله ) فلا حول ولا قوة إلا بالله .

( ٣ )
في الجانب الأسري لا يعتبر الشيخ علي أخًا فحسب بل كان أخًا وأبًا وصديقًا ومستشارًا وناصحًا وموجهًا وبالنسبة لي خاصةً له الفضل عليّ بعد الله سبحانه وتعالى في كثير من أموري الحياتية فلولا الله ثم وقوفه معي وتوجيهي ما اشتريت أرضًا ولا بنيت بيتًا ولا سكنت في منزل مستقل في أعلى درجات التصميم والتنفيذ تحت إشراف مباشر منه رحمه الله بل أنني لم أستقدم يومًا من الأيام طيلة فترة البناء والتأسيس مهندسًا للإشراف بل كنت أكتفي بمروره وملاحظاته إن وجدت حتى فترة التشطيب والتطبيق كل ذلك تحت إشرافه ومشورته ومتابعته وأظنني لا أكون مبالغًا إن قلت أن كثيرًا من الأقارب فعل لهم ومعهم مثلما فعل معي في مشروع البناء ، ومن المواقف الأسرية التي لن أنساها أبدًا والتي كان لها الأثر البالغ في نفسي دعوته وضيافته لي في منزله على وجبة الغداء بعد عودتي من إيفادي للتدريس في اليمن وكان الغداء كله من إعداد البيت وأقسم بالله أنها كانت ضيافة تعدل آلاف الولائم التي تكون فيها كثيرًا من البهرجة والمبالغة لأنه لم يكن يقصد بذلك ظهورًا ولا افتخارًا وإنما فعل ذلك حبًا وودًّا وفرحًا واسبشارًا بانتهاء فترة إيفادي ، والآن بعد وفاته عرفت السر في ذلك عندما سمعت أكثر من شخص على اختلاف طبقاتهم يذكر شيئًا من كرمه وضيافته التي كان يدعوهم إليها بل ذكر الابن نايف أن أغلب العمال الذين يعملون لديه يأكلون من مائدته فكان رحمه يفعل ذلك مع القريب والبعيد .

( ٤ )
لكوني أحد طلابه مثل كثيرٍ من أبناء المنطقة حيث كان المعهد العلمي بصامطة المؤسسة العلمية الأكثر إقبالًا للدراسة بها فقد درسني في أغلب السنوات وخاصة في مادة التفسير التي كان فيها من أفضل المعلمين على الإطلاق في الشرح والتوضيح والجمع والبيان وكانت له شروحات وتعليقات على المنهج حيث كان يتحفنا بكثير من اللطائف التي يرجع إليها ووالله الذي لا إله إلا هو ما رأيت معلمًا ومدرسًا أجمع الطلاب على حبه واحترامه وتقديره طيلة دراستي وحتى طيلة عملي في التدريس مثل الشيخ علي رحمه الله إذ كان رحمه الله يعامل جميع الطلاب بالعدل والمحبة والتقدير والاحترام ويشعر جميع طلابه بأنه ليس معلمًا لهم فحسب بل هو المعلم والأب والناصح والمستشار ، وممّا كان يتميز به عن غيره من معاصريه عدم جلوسه أبدًا طيلة الحصة حتى تقاعد رحمه الله تعالى .

( ٥ )
أريتم وشاهدتم تلك الجموع التي حضرت لتشييع جنازة الشيخ علي والصلاة عليه ودفنه من كافة طبقات المجتمع ، أسمعتم ذلكم الثناء العاطر والذكر الجميل والشهادة له بأخلاقه وابتسامته وتواضعه من جميع قوافل المعزين التي جاءت من كل حدب وصوب منهم الصغير ومنهم الكبير ومنهم المعافى والصحيح ومنهم العاجز والمعاق وكلهم حضروا حبًّا وعرفانًا للشيخ علي رحمه الله ، فما سر هذه الحشود الحاضرة وما سبب هذا الذكر الحسن فهؤلاء هم شهداء الله في الأرض وعند التأمل والنظر يزول العجب فالشيخ علي لا يعرف الكبر وليس من المتكبرين ملك قلوب الناس وحبهم بتواضعه مع كل الطبقات وبابتسامته مع جميع الفئات وبتواصله مع كافة أصدقائه ومعارفه ذكر لي الأخ فياض الهندي – أحد أصدقاء الشيخ علي وأصفيائه بل هو من أقرب معارفه إليه – أن أحد الهنود الذين كان يلتقي بهم الشيخ علي وهو هندوسي كان يبكي في المقبرة بكاءً شديدًا ويريد أن يدخل المقبرة ليشارك في الدفن ، وكم سمعنا ورأينا من مواقف أثناء التشييع والدفن والعزاء تدل على هذه المكانة العالية للشيخ علي لدى جميع من علم بوفاته وهذه عاجل بشرى المؤمن إن شاء الله تعالى .

( ٦ )
نعم إنها لفاجعة عظمى ورزية كبرى ومصيبة مهولة وفقد كبير لإنسان ترك فراغًا لا يسد وحسرةً لا تنقطع ولكن حكمة الله أكبر وأعلى وأعظم فقد اختار الشيخ علي في وقت هو أكثر للناس حبًّا وقربًا وقد حان الأجل المحتوم والساعة المحددة فلا راد لقضاء الله وقدره ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون وقد غادر هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية وإلى رب رحيم فاللهم ارحم أخانا وأستاذنا وشيخنا عليًا وارفع درجته في علييين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين واجعل ما أصابه رفعةً لدرجاته وتكفيرًا لخطيئاته وارزقه الفردوس الأعلى من الجنة يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين .
والحمد لله رب العالمين

كتبه أخوه :
شاكر بن محمد علي نجمي