بقلم... علي أحمد معشي

قراءة للمستقبل ( بعد كورونا )

في ظل المعطيات الحالية وما يمر به العالم اليوم من أزمة اقتصادية عارمة لم يسبق لها مثيل منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وانهيار اقتصاديات وميزانيات دولية ضخمة ، مما حدا بكثير من الدول إلى خفض الانفاق المحلي ووقف الاستيراد والتصدير الخارجي والنشاط التجاري العالمي بشكل عام ، وهو الشيء الذي سيقود العالم إلى مزيد من الأزمات المالية ، وربما سيتسبب في تغيرات جذرية لسبل المعيشة وطرق التعاطي مع المستقبل ، وبكلمة أخرى فإن أزمة كورونا كوفيد 19 هو بداية لعالم جديد ، لأن العالم بعد كورونا لن يكون هو العالم قبل كورونا كما صرحت بذلك العديد من المنصات العلمية والاعلامية العالمية ، فتراكم المنتج النفطي في المحيطات وكساد تجارة النقل بشتى أنواعها وانهيار قطاع السياحة العالمية ، سيجعل العالم دون أدنى شك يبحث عن مخرج لهذه الأزمة وإعادة التعاطي معها بالواقع الذي فرضته عليه ، ولذلك ربما كتبت أزمة كورونا شهادة وفاة أنظمة اقتصادية بيد وكتبت بيد أخرى شهادة ميلاد أنظمة اقتصادية جديدة، والمتفحص للوضع الراهن يرى بوضوح كيف نجحت التقنية الالكترونية والانترنت في انقاذ دول كبرى من السقوط المدوي في هاوية الأزمة السحيقة ، كما خففت عن المجتمعات على مستوى الفرد بحيث استطاع أن يساهم في التخفيف من التزاحم ، وتمكن من تنفيذ آليات التباعد الاجتماعي الجسدي من خلال اعتماده على التطبيقات الالكترونية في قضاء الكثير من احتياجاته بمختلف أنواعها كالتعليم والتدريب والعمل الوظيفي عن بعد والعلاج والتسوق الالكتروني.
من هنا كان لزاماً على الدول والأنظمة الاقتصادية إعادة التفكير في الحلول المطروحة أمامها لتنقذ شعوبها من الوقوع في براثن الفقر والعوز وضيق العيش جراء انهيار اقتصادها وتقلص مواردها .
إن التركيز اليوم على الموارد المحلية وتنميتها كالزراعة والانتاج الغذائي والصناعة المحلية على مستوى الاحتياجات المعيشية اليومية وتوظيف الأيدي العاملة الوطنية المخلصة لبلدانها ، كما أن إعداد بنية تحتية تقنية متينة هو أحد الحلول الواعدة والتي أثبتت جدواها ونفعها بشكل واضح .
وبتوفيق الله نحن في المملكة ننعم بالعيش في رعاية الله تعالى ثم قيادتنا الحكيمة الواعية والتي سبقت دول العالم في التعامل مع الأزمة وقادت بلادنا بجدارة واقتدار ، ورأينا آثار ذلك واضحاً في حياتنا اليومية فلم نشعر بضغط الأزمة كما شعر بها غيرنا وذلك نتيجة ما تحملته الدولة من أعباء ثقيلة جداً في سبيل حماية ورعاية مواطنيها ورعاياها والمقيمين على ثراها ، ومهما يكن فالأزمة فاقت كل التوقعات وتجاوزت كل الأزمات السابقة فاحتاج الأمر إلى مزيد من الاحترازات والإجراءات والخطط العميقة المستندة على طلب العون من الله تعالى أولاً ثم تكاتف الجميع حكومة وشعباً ومقيمين يداً واحدة والصبر على مجريات الأحداث وتبعاتها ، وما قد يتطلب التنازل والتضحية ببعض الكماليات والحاجات الإضافية في سبيل السير نحو الخروج من الأزمة واستفادة دروس عظيمة ستكون نواة لخطط مستقبلية تراعي كل المفاجآت القادمة والأزمات المتكررة .
وفي نهاية المطاف ما من حدث يحدث إلا كان لله فيه حكمة وعبرة للبشر وقد يكون ما نشكو منه اليوم هو مفتاح لعالم من السعة والخير والبركة وإتاحة الفرصة للعقول للتفكير والخروج من صندوق الرتابة إلى سعة الخيارات المفتوحة وطلب العون من الله تبارك وتعالى .
رمضان 1441هـ