بقلم... عبده حسن جعفري

ارتبطت أفئدة المصلين والمعتمرين والناظرين خلف الشاشات لصلاتي التراويح والتهجد في شهر رمضان في المسجد الحرام بأصواتٍ استمرّت لسنوات طويلة وألفها الناس؛ وهما فضيلة 

الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس، وفضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم – حفظهما الله ورزقنا وإياكم لقائهما -،

وعرفهما المصلون إمامين منذ ما يقرب ثلاث عقود.

هذا الثنائي -سبحان الله- جعل لهما محبة عند خلقه والجميع يتوقُ شوقًا وطربًا لسماع صوتهما الشجيّ.

ومع أول ليلةٍ من شهر رمضان، شاهد الجميع عبر شاشات التلفاز، وتأثر من تأثر، الشيخ السديس حفظه الله في صلاه التراويح وهو يؤمُّ بعدد قليل من المصلين وتخنقه العبرة، فقد اعتاد في مثل هذا الموسم أن يؤم بأكثر من مليوني مصلٍ، نعم منظر تقشعرّ له الأبدان لم تعتاد أعيننا على رؤيته.

‏يارب أزِل هذا الوباء “كورونا” عاجلاً غير آجل،

‏وأعِد لنا منظر بيتك الحرام وهو ممتلىء بكل طوابقه ‏بالملايين من المسلمين وهم مُجتمعين في مكانٍ واحد لعبادة ربّ واحد.

ذرفت أعيننا الدموع لأننا اعتدنا في كل عام أن نعتمر ونقضي بعض الليالي المباركة في الحرمين الشريفين، فما أقوى أسـر المشاعر لنا حين تمتزج ونحن بشـر ضعفاء أهلكنا فيروس لا يرى بالعين المجردة،

وكأنَّ المخرج لايريد أن يجرح مشاعرنا ويزيدنا حزنًا فهو يسلط كاميرات التصوير بعيدًا عن الساحات الفارغة، ويوجهها إلى الامام و المأذن العالية وجدران المسجد الحرام والكعبة المشرفة، المَشاهد للحرمين الشريفين وهي شبه فارغه مهيب، وتقشعر له الأبدان، موجعٌ للقلب أن ترى ساحات الحرم المكي والنبوي خالية في مشهدٍ لم نعتاد رؤيته، ويعلم الله ماهزّني منظر في حياتي قط كما هزني منظر الحرم خاليًا من الطائفين حول الكعبة، ماكنت أتصور أن أرى الحرم المكي بهذا المنظر يومًا.

فوجود بعض المصلين في الساحات أثلج صدورنا، اختلجت لدينا مشاعر الفرح و البكاء في آن واحد.

في حدث تاريخي وغير عادي، سبق وأن أخلت السلطات السعودية الكعبة المشرفة بالحرم المكي ومسجد رسول الله من الحجاج والمعتمرين، لأول مرة تخوفًا من انتشار فيروس كورونا، كوفيد ١٩.

والحمد لله أن دولتنا بقياده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظهما الله وأطال في أعمارهم؛ بذلت الغالي والنفيس للحد من انتشار هذا الوباء و المحافظة على أرواحنا وأذهلت العالم أجمع بكل الخطوات والتدابير والاحتياطات من أجل أن يبقى المواطن والمقيم في هذه البلاد في أتم صحة وسلامة ورغدٍ من العيش.

حفِظَ الله المملكة وقيادتها وشعبها..

وفي هذه الأيام والليالي المباركة، نسأل الله أن 

يقضي حوائجنا ويلطف بنا، ويرفع عنا ماأهمنا، ويجعل لنا من الخير والرزق والصحة أوفر الحظ والنصيب، والله يقبل منا ومنكم ويعفو عن تقصيرنا..

فمكة قبلة المسلمين ومكة مهبط الوحي، مكة منطلق الرسالة مكة البلد الأمين، مكة أشرف الأماكن وأجل المقدسات وخيرة البلاد،

والمدينة أحب البقاع إلى رسولنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم..

“ألا صلّوا في رحالِكم”

‏ ماأثقلها على لسانِ قائلها،

‏ماأشدها على مسمعِ مُصغيها،

‏ما أحزنها على قلوبنا جميعًا،

شوق سكن قلبي…وفاق كل المشاعر…وقار وراحة وهيبة يا أرض مكة والمدينة

الحمدلله أن من علينا بصيام شهرنا، ونسال الله أن يتقبله منا وأن يغفر لنا، وهذه نعمة من الله عز وجل، نعم وإن تعدوا نعمه الله لا تحصوها 

الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كثيرة لاتعد ولاتحصى وهذه الأزمة والجائحة ستُكشف بإذن الله قريبًا..

ولنا في نبينا محمد صلى الله عليه أسوة حسنة فهو دائمًا يحثنا على التفائل في أقواله وأفعاله وجميع الأمور..

(أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ) كلمات قالها نبينا صلى الله عليه وسلم في موقف من المواقف، لكنها تكشف عن منهج نبوي كريم في التفاؤل بالخير، ورجائه، والتبشير به في أقواله وأفعاله.

ونحن نقتدي به صلى الله عليه وسلم، نعم فرحنا بقدوم شهرنا وسنفرح بإذن بالعيد السعيد في بيوتنا وبين أهلنا وأولادنا، نسال الله أن يحفظهم جميعًا وجميع ابناء وبنات المسلمين. 

وبإذن الله سنقوم وتتجهز ونصلي العيد نحن وابنائنا، وسنتابع خطبه العيد عبر التلفاز ومواقع التواصل ونسمع ونشاهد أئمة الحرمين الشريفين وهم يلقون خطب العيد السعيد من المنابر،

وسنعيش الروحانية ولن ننسى عاداتنا وتناول وجبه الإفطار، وهذا العيد مع عائلتنا سيكون لها طعم آخر إن شاء الله ونحمد الله على هذه النعم. 

فيما مضى كنا نجتمع في الأعياد بعد الخروج من المصلى ونقوم بتطبيق عادة ورثناها من آبائنا وهي الالتقاء بجوار مسجد الحي ونضع الموائد ويلتقي الصغير والكبير، ونتناول جميعًا وجبة الإفطار وبعدها نقوم بالمعايدة على الجيران والأقارب، ومع هذه الظروف الاستثنائية سنعمل المعايدة مع الأقارب والأحباب بواسطة مواقع التواصل ونفرح بإذن الله بهذه الشعيرة.

– قال تعالى: (ومَن يُعَظِّم شَعآئرَ اللّٰه فَإنهَا مِن تَقْوى القُلُوب).