بقلم.. د/مشاعل آل عايش

سنحت الأفكار متجولة في عالم هذا الإنسان العجيب، كيف لذلك القلب الصغير أن يحلق به فوق المجرات، أو يتيه به في المفازات، ومع كل ذلك لازال يحنو على قلبه، ويعالجه، ويطببه، بل ويتسول إليه أحيانًا أن يرفق به.

هل توقعت يومًا أن قلبك يمكن أن يترجل ويغادرك، حتى وإن شعرت نبضه فلم يعد إلا الصورة فقط، أما حقيقته فيمكنك التبليغ عنها كمفقود، ونشر أوصافه للوصول إليه،…

لا تكذبني ولكن اسمع مقالتي حتى النهاية، ورد منها ما شئت.

أم موسى لما فقدته أعلن الخالق أن قلبها أصبح فارغًا،حتى وجدت موسى فعاد محتوى القلب معه.

ذلك القلب الذي يضج بالدم، ولو انفجر للوث كل ما حوله هو يعشق الطهارة، ويهيم بالنقاء، كما هام به قلب إمام البيان علي بن أبي طالب

واحرص على حفظ القلوب من الأذى…

وهو مع حالة صغره، وضعفه إلا أنه قد يحيل عالمك رمادًا، وينشر الحرائق في مملكة روحك دون سابق إنذار، وقد تخمد الروح قبل القلب من ذاك الدمار كما عائشة أبو شبكة.

ما لي أَرى القَلبَ في عَينَيكِ يَلتَهِبُ

أَلَيسَ لِلنّارِ يا أُختَ الشَقَّ سَبَب

وللسلام مع القلوب معاهدات ومؤتمرات، من وفي معه أحال أرضه سلامًا،ولياليه وئامًا.

فترى الأرض جنان وارفة،

وحدائق يانعةإن صافاك قلبك وأرخى لك القياد.

بَعضُ القُلوبِ ثِمارٌ ما يَزالُ بِها

عَرفُ الجنانِ وَلكِن بَعضُها حَطَبُ

وكما استفاق البعض على موعد سفر مفاجىء لذلك القلب، دون حمل أمتعة، أو ربط حزام، فالرحلة مغامرة ليغادر القلب مكانه وينساب بين الحروف والكلمات فتجد تلك الحروف وكأنها رسمت من نياط القلب، واكتست لونًا قانيًا من دمه كما فعلت بجواهري العراقي

تكاد تحس القلب بين سطورها

وتمسح بالأردان مجرى المدامع.

ولكن تجنب منازلته في ميادين النزال، فإن له اتباع وجند حاضرين قد تؤوب بهزيمة منكرة، أحاسيس وعيون يرى بها وإن لم نراها،ويوقفنا على أعتاب رؤيته مندهشين.

إنَّهُ القلبُ يحبُّ الحُسنَ دومًا …

وليس هذا بغريب عليه، فإن له حق السفر والإقامة فيما ارتضاه من ربوع وتلال.

لستَ قلبي أيُّهَا  القلبُ

ولكنَّكَ رَهْنٌ للجَمالِ.

ولكن أيها القلب كما أراك عظيمًا حينما تركن إلى الفكر والتأمل، والعيش على سوانح الذكريات، وأحداث الحياة كما رآه الفرزدق.

تذكر هذا القلب من شوقه ذكرًا

تذكر شوقًا ليس ناسيه عصرًا

فرفقًا بقلوب إن غادرت فأصابها الأسر، واحكم عليها القياد، فربما لا تعود من سفرها وتبقى أسيرة حتى يحل قيدها فتعود، أو تموت مأسورة فأمطروها بوابل الدعاء، لعل الرحمات تتنزل عليها، واكتبوها في دواوين الشهداء، كحالة ابن زيدون.

فؤاده وهو بالأطلال مرتهن …

إنما كانت رحلة فكر دعاها فيه القلب، فرافقه، عرفت بعض المعالم، وأنكرت بعض، ولكنها جميعًا لها آثار شاهدة.

من بين كل ذلك لا أود لقلوبكم غير الجمال، والسرور، والسلامة وطول البقاء.