بقلم.... علي أحمد معشي

في العالم الافتراضي الذي ولجنا إليه جميعًا منذ بداية الطفرة المعلوماتية، وارتفاع كعب التقنيات الحاسوبية الحديثة، وانتشار برامج التواصل الاجتماعي وتعددها، أصبح العالم قرية واحدة يلتقي فيها الناس من كل مكان ومن كل الأجناس، والثقافات، والتوجهات، والمذاهب، وأصبحت هذه البرامج نوادي لتبادل الحوارات والنقاشات، والأطروحات، وهي تستقبل كل شيء تقريبًا النافع والضار، والجد والهزل، والمسموح والممنوع، ويبقى لكل شخص حرية الاختيار لما يناسبه ويستهويه، ومن هنا برزت الشللية أو الحزب الواحد أو الرابطة أو سمها ما شئت، فيتآلف أصحاب الفكر الواحد أو المدرسة الواحدة أو الزملاء أو أصحاب الميول الواحد أو ما شابه ذلك من عناصر التشابه بمختلف أنواعها، وتتكون الشلل أو الرباطيات كما يسميها البعض، ويبدأ الانجذاب كل نحو ما يستهويه ويفضله ويتفاعل معه.
والشللية لها وجهان، أحدهما حسن والآخر قبيح، وفي نظري ينبغي أن يكون المشارك في برامج التواصل له شللية مع أصحاب الطرح الراقي والجميل ولا يتهاون بما يطرحون من فوائد ومواضيع مهمة ولو بتعليق يسير أو إشارة تشعر من طرح موضوعًا باحترام ما يطرح أو يشارك، كما عليه ألا يكون جامدًا، فيشارك أصحاب الطرفة والنكتة والفكاهة، ولا يبقى جامدًا غليظًا بداعي الوقار والهيئة وهذا القبيل، بل عليه أن يكون لين الجانب، حسن المعشر، سهل التواصل دون إفراط ولا تفريط، وبذلك يبقى الجميع في تفاعل دائم وتواصل مستمر، ويتحمس أصحاب الأطروحات الجميلة والمنشورات المفيدة، للاستمرار في جلب أفضل ما لديهم؛ لأنهم يشعرون بصدى ما يقدمون على عكس إهمال المطروح والبخل بالتفاعل ولو كان يسيرًا، فهو يشعر الآخر بعدم جدوى ما يكتب، أو ينقل، ولنا أن نتخيل أن شخصًا وجد موضوعًا أو خبرًا أو صورة وما شابه، وهو يراه ثمينًا غنيًّا مفاجئًا، فيهرع لإرساله لنا وخصنا به دون غيرنا، ولكن لا أحد منا يعيره اهتمامه، فيصاب بخيبة أمل، وقد يلتمس العذر، فيرسل مجددًا ، ويتكرر معه ذلك، فيؤول به الأمر إلى الجمود والالتحاق بالصامتين المراقبين والحاقدين وهكذا .
وأما الشللية القبيحة: فهي الانحياز لزملاء المهنة أو أصدقاء الجلسة الدائمة أو أصحاب الفكر الواحد كما أسلفت، وتمرير وتشجيع ما يطرحون ولو لم يكن ذا قيمة أو أهمية، والتعزيز لهذه الفئة دون غيرها والتفاعل معها فقط، والأخطر من ذلك هو المجابهة الجماعية للطرح المخالف ليس لإثبات الحق أو تصحيح الخطأ، بل لرفع رصيد الشلة وتقوية جانبها أو دعم الصديق المقرب ضد الشخص الآخر الغير مرغوب لعدة أسباب نعرف وننكر منها، أهمها نصرة صديق الشلة وتجريح الآخر، وإظهار عيوبه، والنيل منه، والبحث في أرشيفه عما يدينه أو يضره، ومن ثم مهاجمته ، لتخلص منه، إذًا الشللية والحياد بينهما خيط رفيع قد يؤذي العلاقات ويضيع الفوائد، ويفسد النوايا، ويجلب الظنون السيئة، ويوغر الصدور، ويشعل فتيل الحسد، ويلهب خط التشاحن .
ونحن نطرح مثل هذا الموضوع لأهميته، وليراجع كل منا نفسه، فرب كلمة كانت سببًا في فرقة، إذا ما بنيت على سوء ظن، وخبث طوية، أو قلة خبرة، وضعف تجربة، ولا ننسى أننا في العالم الافتراضي نفتقد لعناصر مهمة من عناصر صناعة الحوار، ومقومات التواصل الفعال، بعكس الحوار والتواصل الواقعي المباشر، حيث تغيب لغة الجسد، وتعابير الوجه، وتزامن التفاعل، وهذا يدعو مرتادي البرامج الافتراضية إلى الاحتياط وتعويض الفراغ الذي يتركه غياب بعض مقومات التواصل، وذلك باستخدام الألفاظ المناسبة وإيضاح المبهمات، وعدم استخدام العبارات ذات الاحتمالات المتعددة، واستخدام التقنيات الإلكترونية التوضيحية للبعد عن مساوئ التفسير العكسي للجمل الاعتراضية وهكذا، كما أن توطين النفس وضبط الانفعالات مهم للغاية، في مثل هكذا حالات، وترك مساحة كافية لاستيعاب الآخر، وتفهم الطرح، واستخدام الأسئلة الاستيضاحية، حتى تتكون الصورة الحقيقية، ومن ثم الرد أو التعليق أو المشاركة بأمان .
كما أن الحياد والعدل والإنصاف مع الجميع مهم جدًا، ويدل على سعة أفق، وفهم صاحبه، وإدراكه لأهمية قبول الرأي الآخر، مادام صوابًا بغض النظر عن مصدره وقائله أو ناقله، والاستماع الجيد للنقد البناء وتقبله والسعي لتصحيح الخطأ، وبذلك نستطيع التواصل في هذه البرامج دون أن نخسر بعضنا، ودون أن نقع في فخ العداوات والمناكفات التي لا طائل من ورائها؛ لأنها تعمل ضد الهدف الأساسي وهو التواصل، فتحيله إلى تفاصل وتقاطع، وربما ينتقل من العالم الافتراضي إلى الواقعي، وربما تحدث إشكاليات كبيرة لا تحمد عقباها .