بقلم .أ. أمل حسن جلال

قصة قصيرة من واقع الحياة

خرجت تحمل فوق كاهلها جبالًا من الهموم لا تعرف كيف تهدُّ كل منها فأحد الهموم يزيله الاستغفار وآخر الصدقة وبعضًا منها الابتسام.

كانت تظنُّ أنها تعيش حياةً قاسيةً للحظة ما، وكان القدر يرتب لها موعدًا مع قصةٍ أشد قسوةً وألمًا.

قد جاءتها رسالة نصية بأن لديها موعد موجات صوتية في إحدى المستشفيات العسكرية فنظرت للتاريخ المدون في الرسالة وفرحت فرحًا شديدًا كان الموعد قريبًا جدًا على غير المعهود.

وحينما خرجتْ مبكرة ووصلتْ إلى المستشفى قبل الموعد بربع ساعة تتفاجأ عند صالة الانتظار أن الموعد ليس بتاريخ اليوم وإنما بعد أسبوعين حوقلت وتوجهتْ إلى منزلها ثم تذكرت أنها تحتاج لإجازة مرضية من عملها فتوقفت عند أقرب مركزٍ صحيٍّ وبينما هي تنتظر دورها في الدخول إذ بامرأةٍ مسنَّةٍ تجلس على كرسيها وقد أنهكها التعب سلمت وجلست بعيدًا للاحترازات الطبية لجائحة كورونا.

تقول فإذا بالمرأة المسنة تنظر إليها فسألتها ماذا بك؟ لماذا أتيت إلى الطبيب؟

فكرت قليلًا هل ستحكي لها قصة في نظرها ساذجة فردت أشعر بتعبٍ وصداعٍ وقد كانت فعلًا مريضة وتعاني منذ ثلاثة أسابيع لكنها استثقلت أن تقص الحكاية..

فسألتها هل لديك أبناء؟ أجابتها نعم ولدين، وأنتِ؟ قالت: لديَّ ابنان ولم تكمل المرأة حديثها فقاطعتها المرأة المسنة أعاني من طول الانتظار هنا لكن الحاجة دعتني لهذا المكان.

واسترسلت حديثها بأنها من سكان مدينة الطائف البهيَّة أصرَّ عليها ابنها الصغير بالسكن في مدينة جدة لحبه الشديد لها تقول لم نستطع أنا وزوجي أن نرفض طلبه لقوة إصراره وحبه لنا ثم قالت كان ابني رحيمًا بشوشًا عطوفًا يحنو عليَّ حنان أبٍ وأخٍ وابنٍ وصديقٍ كان لي حياة ومملكة بأسرها يدخل باسمًا ويخرج مقبِّلًا
لا يخفى عليه أمري متى ما كنت حزينة ولا يتركني حتى يعرف ما بي ويخفف عني ويعدني بأنه سيبذل ما بوسعه ليرسم الابتسامة على ملامحي.

وبعد مضي ثلاثة أشهر واستقراري في منزلٍ واسعٍ وجميلٍ دخل عليَّ ابني يخبرني بأجمل خبرٍ وهو رغبته في الزواج وبالفعل تمت الخطوبة لأنه كان ميسورًا وعرض على والده بأن يدفع ثمن إيجار المنزل إن لم يتمكن من دفعه وبعد فترة يسيرة من خطوبته دخل عليها بعد عمله مقبِّلًا.. ثم سرحت قليلًا وقالت أشم رائحة عطره على وجهي وكفي وصدري، قد التفت بجسده ووقع ميتًا..

فرددت الحمد لله مات في ريعان شبابه بلا أي سبب وكانت المرأة تستمع لها وتحاول أن تخفف عنها فقالت لها قد يبتلي الله الإنسان في أحب الناس إليه لكن جزاء الصابرين وفير وحظهم يوم القيامة كبير .

ثم قالت لها نعم وقد توفى الله زوجي بعدها بثلاثة أشهر وكنت أعيش على راتب تقاعده لكن ظروفي اختلفت كثيرًا فبعت الدار الشعبية التي أمتلكها واشتريت شقة صغيرة بمدينة جدة ويكفيني التقاعد.

فسألتها المرأة عن ابنها الآخر! فقالت لها: إنه مختلف تمامًا وكأن البطن التي حملتهم تختلف.

لا يهتم بها ولا يسأل عنها ولا يتحدث معها رغم فقدانها لأجمل ما تملك ثم أردفت قائلةً كان يعمل في شركة لكنه لا يساعدني بأي مبلغ ولا يقدم لي حتى عبارة حبٍ أو ابتسامةٍ لطيفةٍ ربما تضمد شيئًا من الجراح.

حينها سألتها المرأة هل لديه زوجة وأبناء فردت كان سيتزوج لكنه بعد وفاة والده بستة أشهر وهو في عمله فتح زجاجة سائل قابل للاشتعال فاحترق جسده وأصبح مقعدًا يحتاج الرعاية.

وأخبرتها أنها مسنة وراتب زوجها أصبح لبناته من زوجة قبلها وحصتها قليلةٌ لم تعد تكفي للطعام والشراب وختمت قصتها بالحمد لله.

فكيف تبدلت بها الأحوال من ولد بارٍ وزوجٍ حانٍ لحزن آنٍ.

تقول المرأة الأخرى كنت أظن أنني صاحبة الهم الأكبر وكأن القدر قد رتب هذا الموعد لألتقِ بتلك المسنة لتخبرني أن هناك عالمًا من الشكوى والشجن قصص بها من العبر ما يجعلنا نقول الحمد لله آلاف المرات ولو لم تخطئ في الموعد لما سمعت تلك القصة ليربت القدر على صدرها ويخبرها بأن هناك من هم أكثر ألمًا.

تقول المرأة حتى صرت أستحي أن أرفع كفي لله وقد كان بلائي حسنًا أمام تلك المرأة التي رتب لي القدر موعدًا معها على قارعة الطبيب.