بقلم.. أمل حسن جلال

أوَ عجبتم من المسمى؟! ليس خيالا بل هي حقيقة رضينا بجملة صور متحركة فلنرض بالمسمى لنوع آخر غير الصور.
ألا تعلمون أن الموتى يتحركون!
نعم هناك جثث تتحرك بيننا ليسوا بالمعنى الحقيقي إنما بالحس والشعور.

فكم من ميت فوق الأرض!
هل سمعتم بمصطلحات تبيد المجتمع؟
أم تخلت، أب هارب، وحبل على الغارب، خطأ طبي، وضحية مجتمع تنمر بعض أفراده، بناء هابط، ومعلم راكد، وبيئة غير مناسبة، فعداد الموتى فوق سطح الأرض كثير .. موتى الضمائر، موتى القلوب، موتى العقول، موتى الغفلة والقسوة، موتى الشهوة والشبهات، موتى الحسد والفساد…
أمهات وآباء تخلوا عن مسؤولياتهم الجسيمة تجاه النعم العظيمة التي منحهم إياها ربُّ الوجود متجاهلين احتياج أبنائهم وضرورة الأخذ بأيديهم للوصول لمرفأ الأمان ليبني ويقيم صلب إنسان.
وهنا لعمري عمود بناء الأسرة والذي به تُقام المجتمعات وتنشأ الحضارات.
إنني هنا أرجُّ محبرتي لأنقش حروفا من ذهب علَّها توقظ وتُحيي بعضا منهم.

عزيزي الأب .. عزيزتي الأم .. اسمحا لي أهمس في أذنيكما لأصب فيهما نفحات من النصح والمحبة في الله لنتدارك ونسدد الخلل والفجوات العميقة التي خلَّفها الإهمال والأنانية.
وقد كان كلاهما قديما وحديثا معول هدم وتشتيت للأسرة.
فمنذ أن قرَّرتما بناء أسرة كان حريُّ بكما أن تفكرا كثيرا في العواقب والتبعات.
وأن تضعا نصب أعينكما مسؤولية عظمى وهي البناء لهذا الصرح الأُسريّ لا الهدم والضعف والتصحيح للأخطاء لا التجريح والردم.
فمذ أن أصبح كل منكما أبا أو أما فقد أُنِيط لكما كثير من المهام الجسام منها:
-الحب والحنان.
-الاهتمام والتسامح.
-التضحية والإيثار.
-الصبر والتنازل والتغافل..
فكم من طفلٍ وُلد حيًّا وأدهُ أبواه بالقسوة والإهمال!
وربما وأدته الغفلة والنسيان من أمّ أُجبرت على الموت وهي تتنفس على قيد راعٍ ميت بالشعور والإحساس بلا عطف بلا عطاء بلا اعتناء.

أبٌّ يُقدِّس ذاته وأهله وأصدقاءه متناسيا تلك الأمانة والحمل العظيم من سيُحاسب عليهم وعلى تقصيره معهم.
فتجده يُعطي ابنه بعضا من الأوامر مع قليل من الرعاية وكثير من الصراخ والتوبيخ وشئ من الضرب والتعزير.
كان ذنب ذلك الطفل أن أمَّهُ لم تُحسن اختيار رجل عاقل ناضج مسؤول؛ فالمسؤولية دليل وعي ونضج وحياة متى فُقدت فقدنا معها ذائقة السعادة والحبور.
ولا يلبث أن يستمر الأبناء في تسوِّل الرعاية يتحسسون العطف والحنان من كل رجل يمرُّ أمامهم ليتكئون على صدرٍ حانٍ أو قريب دانٍ وربما لصٍ فاتن أو خبيث ماجنٍ … لا يُهمُّ لطالما وجد شخصا يبثُّ له حزنه وحاجته وصدرًا يلم شتات فاقته لحنان والدٍ تنحَّى ونسي أنه محاسب.
ألا فليتقِ الله كل أبٍ فيما رزقه الله من أبناء في حين يتمنى آخرون أن يصبحوا آباء، وليحمِ صغاره بالحب واللين فالمعاصي تزيل النعم وتدر النقم.
لنستدرك ما فات قبل ما هو آت فلا نعلم متى نرحل ونترك أبناءنا.
لذا علينا أن نتحين الأوقات ونحمد الله على النعم والفرص العظيمة التي أبقتنا بين أسرة ترفل بالعافية ونمدهم الأمان ونسقي قلوبهم حبا ونشبعها اهتماما وحنانا نصبُّ الرحمة رويدا رويدا ونشرب كؤوس الصبر لتثمر أشجار التضحية بعيدا عن الملذات والشهوات..
فنرى غراسا باسقا ينمو بالاهتمام والنصح والدعاء ..
فما أقبح الآباء والأمهات الذين تنحَّوْا عن دورهم واستهانوا ببقاء فلذاتهم مع الخدم ليل نهار، فأوكلوا التربية لبدائل مؤقتة تعويضا عن التقصير، ولا محالة ستعود بخسائر فادحة بعد زمن، وسيجني كل منهم ثمرة غراسه ولات ساعة مندم؛ عندها ستأتي الحكمة والرشد ويعود الوعي والنصح لكن أولئك الموتى سيتحركون فوق أجساد آبائهم ويطؤون سعادتهم بأقدام التمرَّدِ والعصيان فالموتى لا يعودون.
لأنهم أصبحوا صورا متحركة لجثث موتى يتحركون.