مشاعل آل عايش

من أصعب الحالات التي يمر بها الإنسان ان يشخص ذاته، أو يحدد موقعه بين الناس،أو يدرك حجم عبقريته، وذكاءه، فكلما ازداد مثالية ازداد نقدا لنفسه، ومحاسبة لها، أخذا بقول عمر_رضي الله عنه _”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا” لأنه لولا ذلك النقد لما وصل للمثالية، بينما المضيع لنفسه، وغير الآبه بها لا يهمه أي واد سلك، وأي جرف انهار به.
والمتصفح لحياة العظماء والمؤثرين في العالم يرى أنهم لم يكونوا كبقية الناس، فقد كان لديهم رغبة في الانعزال كثيرا لأن ذلك كان ميدان نتاجهم الفكري، حيث لو أثروا الخلطة الدائمة لبقوا في العامة، وقضوا نحبهم مع الدهماء، يتملك أولئك العظماء عدم الرضا بما هم عليه فسقف طموحاتهم لاحدود له، يرون في اعمالهم بخسا، وفي تراثهم نقصا، ولكن لما اهدوا ذلك الميراث للبشرية من حولهم سعد به الناس وعاشوا به لأنه ميراث يكتنز ، ونتاج عقول يقتدى بها .
كانوا رحمة في مجتمعاتهم، بينما كانوا حربا على أنفسهم، ولكن صالح الأعمال لن يضيع يوما، وسوابق البر تهدى لصاحبها في الملمات. اسماءهم وسيرهم في تاريخنا الإسلامي لاحصر لها، نجوم لامعة، ودرري ساطعة.
ومن غير جلدتنا ظهر أيضا نماذج بشرية كان لها حراكها وأثرها في الحياة،إبراهام لينكون اشهر حكام الولايات الإمريكية بلغ به عدم الرضا عن نفسه ان فكر بالانتحار، بينما كان تراثه الفكري رافدا للثقافة الأنجلو سكسونية، نيوتن طرد من المدرسة لأن عقليته لاتوافق زمانه، فبقي قانون الجاذبية أعظم إهداء منه للبشرية، لينين طرد لغبائه كما زعم من درسه فأسس الحزب الشيوعي،وانشأدولة كانت بحد ذاتها حلف تشكل (وارسو)وبقيت فلسفة الشيوعية حتى الآن، البروف ناش صاحب نظرية الإتزان والمكرم بجائزة نوبل وصل به الأمر لمحاولة الانتحار.
هؤلاء عظماء اثروا الإنسانية، ولكن خواؤهم العقدي افقدهم التوازن.
فكيف بمن جمع الله له العلم والأدب والدين والخلق أليس البشرية في أمس الحاجة لما يهديه إليهم.
كل ميراث سيرحل مهما بلغ اثره الخير للناس، إلا العلم سبب ونسب لصاحبه إلى الجنة إن أحسن النية.
لذلك فالطموح والعبقرية والهمة إن اجتمعت أرهقت ولكنها ذات أثر نافع، فتلك علو الهمة لا فوضى فكرية.
ولو كان كل مفكر مبدع بيننا يرى عبقريته فوضى لقلنا ما أحوجنا جميعا للفوضوية. فليكن لنا طموحا أن يكون لنا أثر((خالدآ)).