محمد ناصر دباء

قد يظن الناظر في هذا العنوان أن ما أقصده بالتشوه البصري ذلك المرض العضوي الذي يصيب الانسان في عينيه وفي الحقيقة أن ما أقصده هو مرضٌ بالفعل وهو مرض مزعج وخطير وينقل صورة مشوهة للمجتمع بكل فئاته وللبيئة الإسلامية المحافظة التي جُبلت على النظافة والجمال وعلى احترام الذوق العام واحترام الآخرين وعلى احترام حقوق الجار وعدم الإضرار بالناس وممتلكاتهم وعلى تحريم أذية المسلم وغير المسلم وغير ذلك من الآداب الإسلامية ، إن ما أقصده بالتشوه البصري هي تلك المشكلة التربوية المنتشرة والتي أصبحنا نلاحظها في أغلب الأماكن والمجتمعات والأحياء والمدارس والطرقات وفي أروقة الجامعات ومرافقها وعدّد ما شئت وإن لم أخشى المبالغة حتى في أغلب الدول الراقية والمتحضرة وللأسف لم تسلم من ذلك حتى المساجد والمؤسسات الدينية. إنها مشكلة (الكتابة على الجدران) المعنى الحقيقي للتشوه البصري. فما هي هذه المشكلة التربوية وما هي أبرز أسباب انتشارها وكيفية علاجها وبعض الأساليب التربوية للتعامل معها. إن الكتابة على الجدران: سلوك للتعبير عن الرأي يتخذ وسيلة غير حضارية يهدف إلى تفريغ الشحنات النفسية أو الانفعالية أو استجابة للتحدي والمراهنات أو لإظهار فن أو إبداع. ومن أبرز أسباب انتشار هذه المشكلة التربوية وتفشيها في المجتمع: 1ـ ضعف الرقابة الأسرية للأبناء خارج المنزل وعند انصرافهم من المدارس . 2ـ افتقاد الطفل أو الشاب للحوار الهادف وأساليب الإقناع من قبل الأسرة أو المدرسة. 3ـ قلة برامج التوعية والنصح بأضرار هذا السلوك الخاطئ وأثره على المجتمع والبيئة من قبل الإعلام والوعاظ وأئمة المساجد والمؤسسات التربوية. 4ـ التقليد والمحاكاة للآخرين وإبراز الذات وشد الانتباه ولفت الأنظار إليه. 5ـ الاعتقاد بأن هذا الأسلوب من أسرع وأشهر الأساليب لإظهار الإبداع أو تنمية الموهبة. 6ـ عدم وجود العقاب المناسب الرادع لمثل هذه السلوكيات الخاطئة. وحتى نعالج هذه المشكلة التربوية ونقلل من تفشيها في المجتمع وانتشارها بين أبنائنا وطلابنا علينا أن نبتعد تماما عن الأساليب الخاطئة في معالجة هذا السلوك الخاطئ حتى لا يكون هناك صِدام وتصرفات عكسية وتنقلب إلى نتائج سلبية لا نرجوها ولم نضرب حسابها، وعلينا أن نتبع الأساليب التربوية الحديثة في المعالجة حتى نستطيع أن نجذب أكبر عدد من أولئك الشباب ونقلل من انتشار هذه السلوكيات الخاطئة إن لم نستطيع أن نمسحها بالكلية ومن هذه الأساليب: 1ـ محاولة الجلوس مع هؤلاء الشباب وبالأخص في المجتمع الذي نعرفه من قبل الأسرة والمربين وأصحاب الاختصاص وفهم السبب الحقيقي والهدف من هذه الكتابات وسبب اختياره لهذ الأسلوب أو التعبير بهذه الطريقة ومناقشة ذلك باللين وتحكيم العقل. 2ـ التوعية بأضرار وخطر مثل هذه التصرفات وما تسببه من تشوه بصري للبيئة والمجتمع وذلك من خلال المدرسة وهي المحضن التربوي المهم بإشراك الطلاب في الإذاعة المدرسية والبرامج التوعوية والثقافية واستغلال الأنشطة ألا صفية في تنمية المواهب الابداعية للطلاب وترك المساحة الكافية لهم للتعبير والابداع.
3ـ التعاون الفعال بين الأسرة والمدرسة والمجتمع في القضاء على هذه المشكلة أو تضعيفها من خلال إشراك الشباب في جولات لطمس هذه الكتابات أو تحويلها إلى أشكال جمالية ومن خلال إقامة المعارض التوعوية والمسابقات وتدعيم ذلك بالحوافز المعنوية والجوائز المادية لجذب أكبر عدد من هؤلاء الشباب.
4ـ نشر ثقافة وضع كاميرات المراقبة الخارجية في المجتمع وتركيبها في المنازل والمؤسسات والمجمعات ونحو ذلك لا لهدف التشهير بل لهدف الوصول إلى من يقوم بهذا التصرف الخاطئ وتوجيهه إلى الجهات المعنية لاتخاذ ما تراه مناسباً معه من التوجيه والعلاج أو العقاب المناسب تحسباً لعدم تكرار ذلك منه. وفي الختام أعلم تماما أن ما عرضته في هذا المقال لم يغطي جميع جوانبه وأركانه وحسبي في أهميته ما وجهت به الدولة أخيراً في تضمين هذا الموضوع من مخالفات الذوق العام وإصدار العقوبة المناسبة عليه والأمل معقود بإذن الله أن هذه المشكلة التربوية ستختفي من مجتمعنا المسلم المحافظ يومًا من الأيام.