ريم إبن جامع

بداية من ما قدمته المدرسة الكلاسيكية منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايةالقرن العشرين من نظريات إدارية علمية ،ساهمت في استقلال علم الإدارة عن العلوم الإنسانية ،وما أثمرته النظرية البيروقراطية لماكس فيبر بشكل خاص، بالكفاءة الفنية والهرمية وقيادة التجمعات البشرية ،مثل الجيوش والمصانع العمالية ذات الأعداد الضخمة، وصولآ إلى يومنا هذا فقد أظهرت نظامآ إداريآ صامدآ.
فرغم انتقادات العلماء والمفكرين التي عصفت بالنظم البيروقراطية أمثال سلبيات تنميطها للسلوك الوظيفي للعاملين عند ميرتون، وتجاهلها حاجات الأفراد المتعارضة مع أهداف المنظمة عند سيلزنيك ، و نبؤات وارن بنس في عام 1967م باندثارها خلال الـ( 25-50 ) سنة القادمة، إلا أنها تحمل صبغة جينية إدارية أصيلة في القدرة على البقاء.
ولعل سرها يكمن في قدرتها على فرض الإلتزام والإنضباط بأنماط سلوكية يرسمها النظام نفسه ،وإن كان في ذلك تضييق للحريات ،وتقييد للإبداع إلا أنها تحقق أهدافها ، فالبيروقراطية مدخل كلاسيكي يعرف من أين تؤكل الكتف الإجتماعية ، فالموظف مع افتراض رشدانيته ،إلا أنه ينصاع للنظام البيروقراطي لإعتبارات في
نفس يعقوب تبقيه في منطقة الراحة.
وفي ظل واقعيتها بتركيزها على ما يجب أن يكون وليس على ما هو كائن ، تثير تساؤلا عن مدى وجود منظور آخر لهذه الجينات ، يستطيع أن يفسر الروح القتالية ويمكن إستثماره في توطين خصائص إدارية فريدة لجيل جديد من القادة والعاملين ؟، فهل الحل في اختيار قادة تحويليين يستطيعون التوفيق بين روح البيروقراط وتعبئة الموظفين نحو الأهداف بذكاء واستراتيجيات تحفيز ؟ ام هل الحل في الاختيار النخبوي للتطبيق على المستويات الإدارية العليا تطلب ود البيروقراطية لتحقيق أهداف مثلى وغايات سامية توطن بالمشاركة ؟ ام الحل في وحدات تتبنى روح المعيارية والالتزام وتمزجها بمرونة التنفيذ وروح الفريق؟.
أ ينما كانت الحلول فأن النظام البيروقراطي يحتاج وقفة تأمل، ودراسة فيزيائية لمعرفة مصدر هذه الجينات والقدرة على استخلاصها ،وتلقيحها بأنظمة أخرى، وتشكيل جيل مؤسسي جديد قادر على الصمود والتكيف والإنتاج ،ويضع الإعتبارات الإنسانية في قمة أولوياته.
فاليوم الإستثمار في النظم البيروقراطية وغيرها مطلب لخلق ثقافات وأنماط سلوك إيجابية، تندفع ذاتيآ نحو الإبداع والولاء برضا ، ولعل من ابلغ الشواهد في عصرنا الحديث ظاهرة الذباب الإلكتروني والتزاوج الفريد بين البيروقراطية والتكنولوجيا مجسدآالروح القتالية للدفاع الوطني الإلكتروني كمطلب وطني أمني.